من بعيد...: بقلم حسين عبدالله جمعه
من بعيد ومن خلف الضباب،من الأردن على ضفاف البحر الميت شاهدت وطني فقلت له :
من خلف الضباب
وأنا القادمَ إليك من خلفِ ضبابِ الشتاتِ وصقيعِ اللجوءِ الصارخ،
خذني إليك… اجعلني شيئًا ما في ربوعك،
أيَّ شيء…
لكن لا تتركني على موائدِ اللئام؛
فمن حسبتُهم إخوتي، كانوا أشدَّ ظلمًا من الغاصبِ المحتل.
دعنا نعودُ كي نداعبَ خيوطَ الشمس،
ونركضَ حول البيّاراتِ وحقولِ البرتقال…
خذني!
اجعلْ مني زيتونةً شرقيةً على قممِ الجبال،
منارةً… أو مصباحَ زيتٍ في شوارعِ القدسِ العتيقة،
لكن لا تتركني…!
إن البردَ شديدٌ حيث أنا،
ولا أثرَ للطيبةِ والإنسانِ في غربتي.
واللجوءُ يا وطني قاتلٌ بفعلِ الذلِّ والقسوة.
هل تعلم؟
حتى الموتُ في ربوعك وفي ثراك يصيرُ حلواً،
بردًا وسلامًا،
يشبهُ قرنفلاتِ داري… وحبقَ الياجور… وحيفا.
الكلامُ يا وطني، ولهجةُ القادمين منك والراحلين إليك،
علّموني أن الإنسانَ لا يكونُ إنسانًا
إلا على ثراك في موسمِ قطافِ الزيتون،
وعودةِ الطيورِ إلى طبريا،
والحمامِ إلى جبالِ نابلس.
وعند عصرِ الزيتون… يصير الإنسانُ فيك قديسًا؛
أوليست العذاباتُ دائمًا من حظّ القديسين؟
ما أكرمك يا وطني…
فلا تبخل علينا من دفءِ حضنك،
وثراك الذي هو أغلى من الذهب.
حسين عبدالله جمعه
سعدنايل لبنان

تعليقات