انا لا أكتب حسب الطلب: بقلم مجيدة محمدي

 "أنا لا أكتب حسب الطلب"

| مجيدة محمدي 


أنا لا أكتب حسب الطلب،

ولا أعبّئ المعاني في علبٍ أنيقةٍ بمقاسات السوق،

ولا أطبع القصيدة كأنها قميصٌ صُنع ليُرضي ذوق الزبائن المترددين ،

في غرف قياس اللغة.


أنا لا أكتب شعراً خالٍ من الصدق،

فأنا لا أؤمن بالـ "خالٍ مِنَ"،

ولا أعترف بالمواد الحافظة في نصوصي،

ولا أستخدم أدوات التجميل اللغوية كي أخفي البثور

التي صنعها التاريخ على وجه الحقيقة.


أنا لا أكتب حسب رغبتكم في نسيان ما لا ينسى،

ولا حسب جدولكم الأسبوعي لمواعيد الانفصال عن الواقع،

أنا لا أكتب كي أريحكم،

بل لأقلب وسائدكم قبل النوم،

وأتأكد أن كل شظايا النهار ما زالت مغروسة في أعماقكم.


أنا لا أبيع الحروف،

ولا أملك دكاناً في سوق البلاغة،

ولا أفتتح عروض "اشتر واحدة واحصل على استعارتين مجاناً"،

أنا أكتب، لا لأنكم طلبتم،

بل لأنني لو لم أفعل،

لنفى الهواء نفسه من صدري،

وتحول القلب إلى رصيفٍ مهجور.


أنا أكتب لأن الكلمات تطالبني بالعدالة،

وتضع على طاولتي فواتير الأيام المنهوبة،

أنا أكتب كي لا يموت الصدق اختناقاً

في زحام عناوين لا تقول شيئاً

وصورٍ لا تنظر إلا إلى نفسها.


أنا لا أكتب كي أكون "صالحة للنشر"،

ولا كي أُعلّق على جدار أحد المهرجانات،

أنا أكتب كما تصرخ الأرض حين تلد زلزالها،

أكتب كما يئن الخشب تحت منشار الفقد،

كما تنفجر حبة رمان في وجه السكين.


أنا لا أكتب كي أكون على مقاس قلقكم،

ولا كي أمرّ عبر بوابات الرقابة بسلام،

أنا لا أضع كمامةً على فمي حين أكتب،

وأخلع قناعي ولا أخشى من أن  النص "لا يحتمل" وجهي الحقيقي.


أنا أكتب حسب قناعاتي،

التي تسير حافية القدمين فوق جمر الأسئلة،

أنا أكتب بمبادئي،

التي لا تدخل المصعد مع أصحاب الياقات البيضاء،

ولا تنتظر دورها في طوابير المديح.


أنا لا أكتب حسب الطلب،

بل حسب النبض، حسب الألم، حسب الرؤيا،

أنا لا أكتب لإرضاء "اللجنة"،

بل لأُرضي الغصة في حلقي،

وأحرر الكلمات التي عُلّقت لسنوات

في غرف التحقيق.


أنا لا أكتب كي تصفقوا لي،

بل لأصرخ، لأعترف، لأشهر وجعي علناً،

وأتركه يمشي في الشوارع،

بلا خجل، بلا أقنعة، بلا تخفيضات موسمية.


أنا لا أكتب حسب الطلب،

أنا أكتب لأنني لا أعرف أن أكون غير ذلك،

لأنني لو كتبت كما تريدون،

فمن سيكتبني كما أنا؟


...من سيكتبني كما أنا؟



تعليقات

المشاركات الشائعة