كان هناك ...: بقلم محمود أحمد الحاج علي

 كان هناك ..

كان هناك شيءٌ يشبهُ الأمل،

ينام عند عتبةِ القلب،

يستيقظ مع دقّاتِ الصدرِ الأولى،

ويُغنّي بصوتٍ خافت،

كأنَّه طفلٌ يحاولُ نُطقَ الحياةِ للمرّةِ الأولى.


كان هناك ظلٌّ لصبحٍ واعد،

يتسلّل من نافذةِ الحُلمِ المفتوحة على نصفِ غيب،

يلامسُ وجهي المتعب، ويقول لي:

"اصبرْ... ستأتي".


لكنّي سئمتُ الانتظارَ في محطّاتٍ بلا قطارات،

وغفوتُ ألفَ مرّةٍ فوقَ مقعدِ الوجع،

أرقبُ الساعةَ تذبحُ الثواني،

والمسافةَ تزدادُ بيني وبين نفسي.


كان هناك...

وكنتُ أُصدّق.

أُصدّقُ أن الوردةَ التي سُحقت تحت قدمِ الغياب

قد تنبت من جديد،

وأنّ الجُرحَ الذي لم يندمل،

ربما يُغنّي ذاتَ حنينٍ من مكانه العميق.


لكنّي كبرتُ يا أمل.

كبرتُ وأنا أعدُّ النوافذَ المغلقة،

والأبوابَ التي لا تفتحُ إلاّ للريح.


كبرتُ على أملٍ صار هشيمًا،

تنهشهُ رياحُ الخذلان،

وتغسلهُ أمطارُ الخيبة،

وتنعيه ضحكاتُ المارّين من فوق دموعي

دون أن يرمقوه.


كان هناك...

حين كانت الأيام تطهو الأحلامَ على نارٍ هادئة،

وحين كنتُ أركض خلفَ فكرة

أن القادم أجمل،

ولا أعلم أن القادم

لا يأتي أبدًا لمن يتّكئ على السراب.


كان هناك...

وكان في حضورِك احتمالُ النور،

ولكنّك جئتَ متأخّرًا يا أمل،

متأخّرًا جدًّا،

تمامًا كما يتأخّرُ المطرُ

حين يحتاجهُ الظمأ.


فلا تقل لي: "انهض"...

لقد جلستُ في قاعِ اليأسِ طويلًا،

حتى نسيتُ شكلَ الوقوف.


ولا تقل لي: "اصبر"...

فالصبرُ لا يُزرَع في أرضٍ

سُقيت بملحِ الدموع.


ولا تقل لي: "سيكون الغدُ أجمل"...

فأنا أعرفُ الغد،

عرفتُه حين جاء بثوبِ الندم،

يعتذر عن أمسٍ خذلني،

ويعدني بيومٍ لا يُشبهني.


كان هناك...

وكانت الحياةُ

تعلّق قلبي على حبلِ الأمل كلّ فجر،

ثم تتركني أتدلّى كجثّةِ حلمٍ

مات واقفًا.


فلا تسألني عن الأمل بعد اليوم،

لقد دفنتُه تحت صخرةِ "ربما"،

وكتبتُ على شاهدِ قبره:


"كان هناك...".

✍️..... محمود أحمد الحاج علي .... سوريا



تعليقات

المشاركات الشائعة