ها انا اقرؤك اخيرا: بقلم محمود احمد الحاج علي
ها أنا أقرؤكِ أخيرًا…
لا ككلماتٍ منثورة، بل كمرآةٍ كشفت لي من أكون،
كصفعةِ يقظةٍ جاءت متأخرة، لكنها لازالت قادرة على إيقاظ الموتى من غفلتهم.
هل كنتُ أعمى، أم كنتُ أتعمّد الإظلام؟
كنتِ تلوّحين لي كلّما اقتربتُ من الهاوية،
وأنا أشيح بوجهي نحو السراب،
نحو ضجيجٍ لا يُشبهني،
وناسٍ لا يعرفونني،
وأنتِ…
أنتِ وحدكِ كنتِ الحقيقة التي خذلتها،
السكينة التي تجاهلتُ أنفاسها،
والرفيقة التي عاتبتني بصمتٍ كي لا تفضح هشاشتي أمامي.
لم أكن طيبًا، بل كنتُ متخاذلًا حتى مع نفسي،
بعتكِ في مزاد التجمّل،
قايضتكِ بالكذب المريح،
وركضتُ خلف وهمٍ لا يشبهكِ.
أنتِ من احتملتِني في أوحش نسخِي،
حين كنتُ عبئًا على نفسي قبل أن أكون عبئًا على أحد،
كنتِ تقفين بي،
وأنا أقف ضدكِ.
لم أكن أجهلكِ… بل كنتُ أخافكِ.
أخاف قربكِ لأنكِ تعرفين كم كذبت،
كم لبستُ قناعًا ليس لي،
كم قلتُ "أنا بخير" وأنتِ تصرخين داخلي قائلة: "أنتَ تحترق".
وها أنتِ الآن، تُذكّرينني…
أنكِ "الفكرة الوحيدة التي بحثتْ عني"،
أنكِ كنتِ الضوء الذي لم أمدّ إليه يدي،
أنكِ كنتِ أنا، كما كنتُ أتظاهر أنني لستُ أنتِ.
أُقرّ لكِ الآن،
أنني دفنتكِ حيةً داخل صدري،
أنني صلبتُكِ على جدران الادّعاء،
وابتعدتُ… لا لأنكِ بعيدة، بل لأنكِ قريبةٌ حدّ الحقيقة،
والحقيقة توجع.
فهل يغفر القلب لقسوته؟
وهل تعود الروح لمن خانه؟
لا أطلب المغفرة…
بل أعدكِ فقط،
أن أعود إليكِ، كما يعود الغريب إلى وطنٍ لم يعرف قيمته إلا حين نُفي عنه.
يا أنا…
يا من ظننتكِ مجرد فكرة،
أنتِ الحياة،
وأنا مجرّد زائرٍ أضاع الطريق إليكِ.
✍️.... محمود أحمد الحاج علي .... سوريا
تعليقات