حين رحلتِ: بقلم محمود احمد الحاج علي
#حين رحلتِ
رحلتِ... وأخذتِ معكِ الشِّعرَ والأوزانَا
وأطفأتِ في صدري الشُّموعَ وزدتِهِ نيرَانَا
كأنَّكِ الشامُ، إذا غابَتْ غابتِ السَّماءُ
وضاعَ الحُسنُ، وانطفأتْ قناديلُ الزَّمانَا
يا ياسمينةً فاحَ عِطرُها في روحي
ثم ذبلتْ، وتركتْني أعدُّ الأوهامَا
صوتُكِ... كانَ كالمطرِ يُنعشُ صحراءَ دمي
وحينَ سكن، جفَّ عمري وارتوى الأحزانَا
كنتِ قاسيونَ الذي أسندتُ أوجاعي إليه
فمالَ الجبلُ، واهتزَّ، وأعلنَ العصيانَا
كنتِ بَرْدَى حينَ أظمأتني الحياةُ قسوةً
وحينَ جففتِ الماءَ، أحرقتِني هوانَا
أما كفاكِ أنَّ قاسيونَ قد سألَني عنكِ؟
وأنَّ شوارعَ دمشقَ ما زالتْ تذكُرُ خُطَانَا؟
أزقَّتُها التي شهدتْ ضحكَنا وهمسَنا
تبكي، وتسألُ كيفَ خانَ العُمرُ مَسْرانَا؟
وطرقاتُها العتيقةُ تشتاقُ لظلِّكِ
والمآذنُ تُنادي أينَ نورُ عينيكِ، أينَ سَنَانَا؟
فإنْ لم تُجِبْكِ دمشقُ، فاسألي قلعةَ حلب
عن عاشقٍ كانَ بينَ حجارتِها يهذي نِدَاءَكِ
عن رجلٍ وقفَ على أسوارِها وحيدًا
يُحاكي صمتَها، يُخبرُها عن ذكرياتِكِ
سليها كيفَ كنتُ أسيرُ في ساحاتِها شريدًا
أبحثُ عن طيفِكِ بينَ حجارتِها العتيقةِ
كيفَ كنتُ أهمسُ باسمِكِ عندَ بوابَتِها
وأودِعُها سرِّي كي تحملهُ إليكِ أمانَةَ العاشقِ
يا شامُ، كيفَ ترحلينَ عني؟ أما علمتِ
أنَّكِ في القلبِ، في الروحِ، في الشَّريانَا؟
أما سمعتِ الحنينَ يصرخُ في شوارعِنا؟
أما رأيتِ الليلَ يشكو فقدَكِ هذيانَا؟
رحلتِ... وخلّفتِ في عينيَّ مدنَ الغيابِ
وفي دمي نهرًا من الذكرى لا يجفُّ ولا ينامَا
وكنتُ كلّما ناديتُ طيفَكِ في المساءِ
عادَ الصدى يبكي، ويزرع في صدري سُهادَا
أما تذكُرينَ حديثَنا عن أحلامِنا؟
كيفَ كنا نرسمُ الفجرَ ونخطُّ الأمنيَاتِ عُنوانَا؟
وكيفَ كنتِ تقولينَ لي: سنكونُ معًا؟
حتى غدوتِ وعدًا لم يُكملْ روايَانَا
يا من كتبتُ هواكِ في كتبِ العاشقينَ
يا من جعلتُ صورتَكِ في عينيَ عنوانَا
كيفَ استطعتِ أن ترحلي دونَ وداعٍ؟
وتركتِ في صدري جُرحًا لا يبرأُ أزمانَا؟
كنتِ ملاذي حينَ ضاقَ الدربُ بي
كنتِ غنائي، كنتِ حلمي، كنتِ نجوانَا
وإن عزَّ الرجوعُ، فعودي ولو طيفًا
لو نسمةً، لو دمعةً، لو بعضَ وجدَانَا!
عودي... وإن لم يكنْ للقلبِ بعدُ لقاءٌ
فسأبقى أحبُّكِ... ولو صارَ حبِّي كتمانَا.
محمود أحمد الحاج علي... سوريا
تعليقات