شيخوخة الطين: بقلم سيف الدين علوي
شيخوخة الطين
حين يشيخ الطين
تغدو القبلاتُ بطعم الطّمْي الآسن
فوقه بعضُ غُثاء
و تنمو ضفادعُ عرجاءُ على شقوق الشفتيْن
و يستريح القلب من لهب الحسّ الأرعن..
حين يغفو القلب في موقده البارد
يصنع النبضُ عاداتٍ جديدة
في التعبير عن اليقظة
فيَتِكُّ ببطء
أو يركضُ في مدارات الوهم عَجولا..
و تباعا تَتْلفُ بواكيرُ الشّوق في الحدائق المنتهكة..
حين يغدو الوهمُ مضمارَ الرّكض اللاّمَوْزون
في مسافات بلا خطّ نهاية
يغدو المرءُ خَمولَ الحلم..
حين تخمُل الرّؤيا
لا خصوصيّة في الأزمنة، لا رائحة
لا شيء يمنحها اختلاف اللّون و مذاق فرادتها
و لا لحاء يقي نسغَها النّضوبَ !
حين تتماهى الأزمنة في بوتقة الصّفر
وتنشُفُ حتّى تخفّ و توشكُ تُكسَرُ من يُبْس
يغدو الحلمُ شظيّةَ ذكرى منفجرة!
حين تنفجر الذّكرى منطفئة
يُضحي العدمُ و الوجود خامديْن
بعد إذْ تماسّا بحرارة منذ اصطدام إيروسيّ طارئ! ..
حالما يخمد كلاهما
يتيقّظ اللهُ في ذرّات الكون،
في تفصيل التفصيل
و تنفلت الكلمات من فجوات الأفق الأعلى..
الكلماتُ رذاذ لهبٍ كونيّ أزرق!
الكلمات نشيدُ الربّ في قطوف النّور..
فراديس ذوّبَها الغيْبُ تراتيلَ تراتيلَ
!الكلمات هي الكونُ تَمَطّى
كسلان النّشوةِ مثمولا
من قَبْل القَبْل إلى ناصية الأبد الأبعد..
الكلماتُ تلك الذروة في شبَق الأنهار..
الكلمات ذاك اللاّمتناهي من أسرار الفجر
ذاك الموج الزّاحف في خيلاء البحر من العمق حتّى حدود الطوفان..
الكلماتُ قُبَل معزوفاتٌ
في خلَسِ الصّمت الأوّل..
الكلماتُ بُخارُ الجرح الصّاعدُ من حمحمة الأوجاع..
الكلمات تهمس للمعنى
ألاّ ينعرجَ المعنى خارج أنساق الطين.
الكلمات هي الطين فتيًّا.
_________________
سيف الدّين علوي
تعليقات