بيوت من ورق: بقلم سعيدة حميد

 بيوت من ورق ..


اخبرها انه في مهمة رسمية لمصلحة مراقبة الاسعار ، وقد لا يعود الا مساء وعليها ان تتحمل اليوم مسؤولية ابنتيهما وحدها ....ابتسمت وكعادتها لم تبد اهتماما ولم تساله ...فهي تثق بزوجها كثيرا ...لم تشك يوما في سلوكه ...فهو الرجل الذي احبته وضحت بكل شيء لتتزوجه ، ولأنه يعرف جيدا تضحياتها وكل ما عانته، احبها أكثر واكثر ...كل شيء بينهما يشي بالحب والتفاهم....اخذ مفاتيح سيارته وخرج ليكون في الموعد ... بينما اهتمت هي بالطفلتين، وقبل ان تطأ عتبة الدار ،وصلتها رسالة على الهاتف ...لعله سعيد ،قالت وهي تسرع نحو الهاتف لتقرأ الرسالة ...فجأة يتوقف نبض قلبها و يهتز الهاتف بين يديها ...وتتسمر في مكانها ...تعيد النظر الى الهاتف ..."نعم انه هو ... انها صورته ...من تكون تلك الفتاة معه ؟" امتقع لون وجهها وهي تمعن النظر في الصورة ..." انتِ من جديد" قالت ايمان ومرارة الخيانة تكاد تخنقها ..اتصلت بصديقتها التي ارسلت لها الصورة لتسألها عن مكان تواجدهما ..."لابد ان اكشف خيانته" ...نظرت الى الطفلتين ...ضمتهما الى صدرها ثم اصطحبتهما الى المدرسة ...ظل تفكيرها مرتبطا بالصورة ...ماذا ستفعل ؟ هل ستجرؤ على فضحه متلبسا بخيانته ؟ تراجعت عن الفكرة...ربما التقيا صدفة...سانتظر عودته و حتما سيحكي لي عن هذا اللقاء ، لا اريد ان اتهمه بالخيانة قبل ان اراه ونتحدث ...ثم ذهبت الى عملها ...

عاد مساء الى البيت سعيدا ومنتشيا ..استقبلته كعادتها مبتسمة ...لم تخبره شيئا لكنه اخبرها كل شيء منذ خرج صباحا حتى اخر لحظة ..اخبرها كم كان اليوم متعبا ...اضطر الى التنقل بين عدد من المحلات التجارية لمراقبة الاسعار ...وراح يسرد تفاصيل يومه بكل التعب الذي فيه وظلت هي تنصت اليه فتتسع الهوة بينهما كلما زاد في الحديث وتزداد اتساعا كلما برع في نسج الاكاذيب...لم يخبرها شيئا عن ذلك اللقاء ..مرت الايام ثقيلة على ايمان وهي تراه يقضي وقته بالبيت يختلس الفرص ليختلي بنفسه ليتواصل عبر الهاتف...لم يلاحظ ذلك التغيير في مشاعرها فقد كان مشغولا بحياته الجديدة ...

خرجت صباحا الى عملها تصحب ابنتيها معها ...نبهته الى ان يدفع فواتير الكهرباء والماء وانها قد لا تعود ظهرا الى البيت ،ستزور امها ...قام من سريره مسرعا ليتأكد من كلامها ...اتصل "برفيقة" صديقته وطلب ان تحضر الى بيته فزوجته لن تكون بالبيت اليوم كله ...

وما هي الا ساعات قليلة حتى عادت ايمان الى البيت ..تفتح باب شقتها لتفاجأ بزوجها وصديقته في غرفة النوم ...انها هي صاحبة الصورة ... كانت احدى حبيباته ايام الجامعة لكنهما انفصلا هي تزوجت وهو تابع حياته ...قابلها سعيد ذات يوم بالصدفة ...سأل عن احوالها فاخبرته انها تطلقت وتعيش الان حرة ...فتواعدا على اللقاء من جديد وإحياء حبهما القديم ..ايمان كانت تعرف جزءا من القصة ...كانت شديدة الغيرة من رفيقة ..كانت تراها اكثر جمالا ورشاقة ولكنها ايضا اكثر انفتاحا وجرأة وتحررا ...كانت لا تدخر جهدا لتقلل من قيمتها في نظر سعيد وتعيب سلوكها ، لكنها بعد الزواج نسيت قصتهما الى ان فوجئت بصورتها ذلك اليوم مع سعيد ...لا زالت رفيقة تحتفظ بجمالها ورشاقتها وأناقتها كما عهدتها دائما ...كان سعيد يراها مختلفة عن كل اللواتي عرفهن كانت امرأة لكنها تفكر كرجل ...

احب سعيد زوجته كثيرا قبل الزواج لكنها مع مرور السنوات قل اهتمامها بسعيد ...كل اهتماماتها كانت للبيت وللطفلتين  

...سعيد الذي كان ينتظر منها الكثير لم يكن راضيا على كل تلك التغييرات ...احس بالملل يتسرب الى حياته ... ليست هذه الحياة التي كان يرغب بها ....

فاجأته ردة فعلها امام ما رأته ، فهي لم تبد غضبا بل تماسكت امام خيانة سعيد....نظرت اليه في اشمئزاز ثم تركتهما وانسحبت الى غرفة بناتها، بينما طلب من رفيقة ان تغادر ...تردد سعيد كثيرا ليكلم ايمان ...ماذا سيقول ؟ ...طرق الباب ثم دخل واذا به يراها تجمع حقائب الطفلتين ...لم يتقبل سعيد ان تغادر ايمان البيت .فطلب ان تتريث حتى يتحدثا قليلا ...بكل البرود الذي في الدنيا وافقت ايمان ان يتحدثا ...نظرت اليه وفي نظراتها كم من الاحتقار ...

-"هل تحبها ؟

 "قفز من مكانه قبل ان تنهي سؤالها ...

-"لا طبعا "...

-" اذا ماذا تريد منها.؟"ماذا كان ينقصك ؟

-" طأطأ رأسه ولم يجب،،لكنه قال : 

-"رايتها صدفة قبل يومين فطلبت ان نلتقي يوما ،لم اكن اعلم انها ستزورني" ..

 ابتسمت ساخرة وقالت:

- "لابد انك اخبرتها انك غير سعيد معي وانك تبحث عن حب تحقق فيه وجودك ،وطبعا لا احد مثل رفيقة لتحقق لك ذلك ،متحررة جريئة وكل ذلك الكلام الضخم الذي تضحك به على النساء" ....نظر اليها في خجل وقال ...

-"انا اعرف ان ما فعلته اليوم لا يليق بك ولا يغتفر ولا مبرر له ..لكن امنحيني فرصة لأكفر عن خطأي" ... 

-"وكم يلزمك من فرصة ياسعيد؟ ،لقد استنفذت كل الفرص التي منحتك اياها "..

-".ماذا تقصدين ؟ 

-"نعم... لم تكن هذه المرة الاولى،انت تعودت على خيانتي" .

انتفض من مكانه وصرخ في وجهها ....

-اسمعي يا ايمان ، انا اعترف انني اخطأت في حقك لكن لا" ....

لم تمهله حتى يكمل دفاعه عن نفسه ...فسلمت له هاتفها ليشاهد صوره معها ...تذكر سعيد ذلك اليوم، وتذكر اكثر كيف كان يسرد تفاصيل اليوم وتعبه ... شعر بالخجل وهي تنظر اليه باشمئزاز ..تساءل : 

- "ترى بماذا كانت تشعر وهي تعرف انني كنت اكذب ؟ لابد انها تحتقرني ...لابد انها لم تكن تثق بي عندما كنت اخبرها انني في مهمة وسأغيب عن البيت اليوم كله ...كانت تعرف ولم تخبرني ..".

تسلمت منه الهاتف وقالت ...

-"علاقتنا انتهت من ذلك اليوم يا سعيد ...منذ اليوم الذي فكرت فيه بأخرى ..لم يعد لك مكان بقلبي ...انا لا الومك على ما فعلته اليوم لأنك لم تعد تهمني ... قد تكون فعلت ذلك مرات، من يدري ؟ فقد كثرت مهماتك و غيابك طول اليوم عن البيت ...انا عشت الم الخيانة من زمان ...تغيرت مشاعري نحوك و لم تشعر لأنك كنت مفتونا مغمورا بعشيقتك الجديدة ...كنت تكذب وتتمادى في الكذب واستمع اليك وانا اعرف الحقيقة...تركتك تكذب لتسقط من عيني اكثر فلا اجد سببا لنستمر معا ...ربما تتساءل الان لمِ لمْ اخبرك ...فكرت ان اخبرك، لكنني تراجعت ...قررت العيش معك احاول ان أغفر و انسى لكنني لم استطع ان انسى او اغفر...ستظل خيانتك دائما امام عيني ...لن استطيع الوثوق بك مهما حاولت ... خيانتك هي وجعي الكبير وستظل دائما حاجزا بيننا ....هي جرحي الذي لم اشأ ان انظفه بالعتاب حتى لا اشفى ... قد تسألني لماذا لم اعاتبك كما عهدتني دائما... كنت اعاتبك لانني كنت اهتم لأمرك ،اما الان بعد خيانتك لي، لم تعد تهمني ،لقد اكتفيت منك ، انا لم اكن اهتم ان كنتما تلتقيان سرا ،لكنني ابدا لم افكر انك ستجلبها الى بيتي وعلى سريري ... 

الان لا اريد منك شيئا الا شيئا واحدا ، ان نفترق بهدوء احتراما لمشاعر جميلة كانت يوما بيننا وحفاظا على صورتك في عيني طفلتيك ...اريد ان ارحل من حياتك بهدوء ...لا تجعلني التفت الى الوراء يا سعيد ...لقد احترقت كثيرا وانا اراك تهينني مع اخرى ... لقد اكتفيت" 

ثم استسلمت للبكاء وهي تستعد للخروج ...

شعر سعيد ان الحياة بينهما بلغت نهايتها ،...

-"ماذا افعل لكي اجعلها تعدل عن قرارها وتمنحني فرصة اخرى ؟ لن اغفر لنفسي ، لكنني لن اسمح لها بمعاقبتي بهذا القرار.. . اي محاولة للصلح الان ستكون عبثا ، لذا سانتظر "..   


سعيدة حميد /المغرب


تعليقات

المشاركات الشائعة