أمل وألم: بقلم مريم رمال

 * أملٌ وألم *

    مضت الأشهر التّسعة وجاءها المخاض وبدأت تتألّم ، إنّه وليّ العهد والّذي سيحمل اسم العائلة ويكون السّند لأمّه بعد أن فقدت زوجها  الحنون الّذي أحبّته بجنون ، إنّها الحرب تسرق منّا أعزّ الأحباب وتترك الأحزان تنهش في القلوب والنّفوس ، فلا الدّموع تكفي ولا الآهات ، فكيف ستنسى ؟؟؟ 

   ولد جهاد ، فقد سمّته أمّه على اسم والده البطل علّه يشبهه مظهرًا وجوهرًا ، وهي تقول:"ليتك معنا اليوم يا جهاد ، ليتك تحضن طفلك الّذي انتظرته بشوق ..." قالت ذلك والدّموع تنهمر على وجنتيها ، يقولون بأنّ المرأة عندما تلد يجب أن لا تحزن ويجب أن تؤمّن لها الظّروف والأجواء المريحة كي تستطيع أن تهتمّ بطفلها وترضعه حليبًا ممزوجًا بالحبّ والحنان وراحة البال. ولكن للأسف فلا الظّروف ساعدت سلمى ولا الأحوال. 

 منذ اليوم الأوّل لولادة طفلها وهي تفكّر في مستقبله ومصروفه ولكنّ إيمانها بالله ساعدها على تخطّي المرحلة والتّوكّل على الباري عزّ وجلّ فهو من يرزق عباده بغير حساب. 

  مرّت السّنوات وسلمى تبذل قصارى جهدها لتربّي ابنها أحسن تربية وتعلّمه أجود تعليم حتى يكبر ويحقق وصيّة والده وهي أن يكون مهندسًا ناجحًا ، فكانت تعمل في تنظيف البيوت وطبخ الأطباق بحسب الطّلب كي لا تمدّ يدها لأحد وليحيا ابنها حياة كريمة ولا يشعر بأنّه دون مستوى رفاقه مادّيًّا ومعنويًّا .وكانت دائمًا تقول :"غدًا سيكبر وسيعوّض لي هذا التّعب ."

    كبر جهاد وتفوّق في اختصاصه كمهندس وعرض عليه أن يعمل خارج البلاد بمرتّب مرتفع فقبل دون تردّد ودون أن يفكّر بأمّه الّتي نذرت حياتها من أجله ودفنت شبابها في سبيل بناء شبابه ومستقبله ، جهّز أوراقه وأغراضه دون أن يخبر والدته بالأمر حتى تفاجأت بيوم سفره  وبفرصة العمل التي عرضت  عليه ، طلبت منه أن يبقى بجانبها ويؤسّس مشروعًا في بلدته وأخبرته بأنّها لا تستطيع أن تعيش بدونه ولكن دون جدوى ، وبقي الشّاب مصرًّا على السّفر لأنّه مقتنع بأنّها فرصة ذهبيّة لن تتكرّر . 

  سافر جهاد تاركًا خلفه أمًّا ثكلى وحيدة تعدّ الأيّام واللّيالي منتظرة عودة ابنها الوحيد لتضمّه إلى حضنها ، أمّا هو فكان يتّصل بها مرّة في الشّهر اتّصالًا خاطفًا بحجّة ضغط العمل ، بعدها انقطع عن الاتّصال بها وهي لا تمتلك غير الدّموع والدّعاء. 

   مرّت السّنوات والحال على حاله والانتظار يطول ويؤرّق نومها حتّى تراجعت حالتها النّفسيّة والصّحيّة . 

 اشرقت الشّمس  ولم تفتح سلمى نافذتها المطلّة على اوّل الشّارع حيث تراقب السّيّارات مترقّبة عودة ابنها ، فافتقدتها إحدى الجارات وطرقت الباب ولكن لا حياة لمن تنادي ... حضر المسعفون وفتحوا باب المنزل ليجدوا سلمى جالسة بلا حراك على كرسيّها وهي تحتضن صورة ابنها ... 

                                            مريم رمّال _لبنان


تعليقات

المشاركات الشائعة