نشيج غض: بقلم شمم الجبوري

 نشيج غض


تسرقني هنيهات الذكرى، تعبث بتراكيب سكينتي، تُطبق على خافقي بقبضة من وجع.. هذا المساء حاولت أن أخطف شيئاً من البهجة المزيفة.. أعطيت نفسي بعضاً من حرية السنين.. فراحت تجوب زوايا ذاكرة الانكسار في الركن المخبأ المظلم المغبر بالعفن..

سمعتهُ يصيح مزمجراً لا يأبه أن يصل صوته مشارق الأرض ومغاربها، قائلاً : أين أنتِ أيتها الغبية ؟.. لن أرحمك اليوم !..

ضرب باب الغرفة بقوة، واقفاً يلهث والشرر يتطاير من عينيه، عاقداً حاجبيه والعرق يتصبب من جبينه..

فززت.. نهضتُ من سريري أرتعد خوفاً من أن يعيد الكرة ويضربني، فجسمي مازال مزرقاً بكدمات وجروح من جراء نوبات غضبه..

صرخ بغضب : اليوم سأشرب من دمك.. فكم مرة قلتُ لكِ لا تفتحي الباب لأيّ شخص يطرقه أثناء غيابي ؟!..

رغم أني لم أفهم سبب ثورته ! أجبته وأسناني تصطك ببعضها : إنه والدك زارنا لرؤية حفيده..

وجلستُ أراقبه بخوف وهو يفتح الخزانة، ويبعثر الملابس هنا وهناك باحثاً عن شيء يضربني به إلى أن وقعت يده على مسدس أخفاه في علبة معدنية داخل الخزانة لم أجرؤ يوماً على فتحها.. ثم سحب الزناد موجهاً المسدس نحوي.. فلم أتمالك نفسي.. بكيت.. سألته بتوسل : بماذا أخطأت ؟!..

فصرخ بغضب ، ويده المصوبة تجاهي ترتعش ، قائلاً : كيف عرف أبي أنني ضربتك والولد ؟ ولماذا شكوتِ له ؟!

وقبل أن أرد عليه بكلمة.. أرتفع بكاء ولدنا الذي يراقب الموقف بهلع قرب الباب.. فالتفتُ إليه وهو ينشج.. ويرتعد.. وقد تبول على نفسه، قائلاً : جدي سألني عن كدمات رآها على جسدي حين حملني يقبلني وارتفع قميصي.. فأخبرته..

مباشرة هرعت إليه متناسية غضب زوجي.. والمسدس المصوب نحوي.. التقطت ولدي واحتضنته وخبأته بين ذراعي.. ألصقت رأسه على صدري.. فشعرتُ بقلبه الصغير ينبض في فؤادي.. ويديه الناعمتين تمسكان ذراعي بقوة..

فصرخ زوجي بأعلى صوته : توقفي.. وإلاَّ قتلتك ؟..

التفتُ إليه وأنا أحتضن ولدي ، ولأول مرة صرخت في وجه : كفى ؟.. أغرب عن وجهي أيها المريض ؟..

لم أكمل استدارتي حين سمعت صوت طلقة الرصاصة ..

لا زالت رائحة الدم الدافئ حتى الآن بأنف ذاكرتي.. وعلى أهدابي.. وفي كل أجزاء جسدي.. تخنق روحي.. وتقتلني في اللحظة مرة وألف  .


شمم الجبوري/ العراق


تعليقات

المشاركات الشائعة