نجاح يشبه الفشل: بقلم رياض انقزو

 نجاح يشبه الفشل

مادتان وينتهي الاختبار. سأنجح بتفوّق كما خطّطت لذلك...سأدخل الجامعة التي كثيرا ما حلمت بها، وكثيرا ما كانت أمّي تتباهى بدخولي لها في حضور الجيران والأقارب من قبل أن ادخلها. سأنفخ فيّ روحا جديدة نقيّة من كلّ نظرات الازدراء والسّخرية التي كثيرا ما كانت تطاردني وتنفرد بي في زاوية قصية من مخيّلة تنبعث منها رائحة الرطوبة والركود.

أمسك ورقة الامتحان، اتفحّصها مليّا، أقرأ السّؤال مرّة، فثانية، فثالثة، اشعر براحة كأنّي ازيح حملا ثقيلا من على عاتقي. أتريّث قليلا، تتراء لي الإجابات نجوما تتلألأ في السماء تجلى ظلمتها. أشرع في الكتابة وفي مغازلة بنات أفكاري أنتقي أجملها. أعرف أنّي أعشق الجمال كما أعشق الكمال، ولا أقبل برتق إجابات قديمة ممجوجة، أعرف أنّي أبحث عن إجابات متوهّجة تطهّر الرّوح وتقارع العقل.

أخاف إن أنا أجبت أن أكون من النّادمين، فيحوّلني النّدم إلى هيكل بلا روح يتشظّى مع كلّ حرف يخطّه قلمي على ورقة الامتحان. اللعنة على هذا الكمال الذي أبحث عنه والذي كلّما ظننت أنّي أدركته ينبري إلى وهم يلتهمني بشراهة قاتلة في رحم الخيبة، أتراني أبعث بأحلامي إلى غياهب الفشل؟ أتراني أطلب ما لا يدرك، إجاباتا أخرى،  وأنا آخر ينثر ما تيسّر من نور بين النّجوم؟

مادتان وينتهي امتحان البكالوريا كما أعلمتكم سابقا. لكنّ الزّمن يتبدّد بكيفيّة مذهلة، هازئا بأحلامي التي تطبع الحيّز الفاصل بين إجابة وأخرى. لم يتبقّ من زمن الامتحان غير دقائق معدودة، وأنا ما زلت في القاعة أقلب الأوراق، وأجيل البصر بين سيؤال وآخر والبصيرة بين إجابة وإجابة. أضع قلمي وأتوه مع أحلامي هربا من فكرة الفشل التي كانت تراودني كلّما حضرتني صورة أمي تقف متباهيّة. كنت أودّ أن أضمّها حدّ الانصهار، وأن أرسم قبلة على جبينها، ولكن ما إن أمدّ يدي ينهرني الأستاذ المراقب، ويأمرني بالانضباط، فأعود إلى ورقة الامتحان وإليّ يكتنفني الخوف.

رياض انقزو


تعليقات

المشاركات الشائعة