ذات نقاب: بقلم محمود شامي

 ذات النقاب

قصة قصيرة

بقلمي / محمود شامي 


منذ اكثر من عامين نجلس في الخامسة عصر كل يوم أمام بيتنا، يخرج بعض الجيران ليشاركونا قعدتنا المسائية تلك، نلتف حول فناجين القهوة التي تتفنن زوجتي في إعدادها، ولا ترغب هي أن أحتسي القهوة في مقاهي البن المنتشرة في المدينة، والتي تديرها النساء من مختلف الأعمار ، تراها دور فتن وغواية وأنهن ساحرات لا عمل لهن سوى هدم الأسر وتشتيتها. ذات مساء كانت زوجتي بالداخل تعد لنا القهوة كعادتها، وأنا رفقة جاري وجارتي، قدمت إحداهن على استحياء ، كانت متشحة بالسواد كليا، ووقفت غير بعيدة عنا، حيتنا جميعا وخصتني بالسؤال ، سألت عما اذا كان محلنا التجاري المغلق منذ مدة والذي كنت اجلس أمامه، والملاصق لمنزلنا، للإيجار أم لا ؟

قلت لها: نعم هو للإيجار ولكن ....

صمت قليلا وانا انظر إليها علني اعرف منها ومن جاري او جارتي من تكون وهويتها ؟ وصمتت هي أيضا ...... 

وبعد ثواني قليلة قلت لها مرتبكا بعض الشيء

_ اسمعي يا ....

وتوقفت أيضا، فلم اعرف هل اقول لها، يا ابنتي أم اختي ام أمي هههه 

تابعت سريعا هذه المرة:

_اسمعي يا أختي،  في .. عرفنا .. و .. عاداتنا، يتفق الرجل مع الرجل، والمرأة مع المرأة،

و عليك أن تأتي بمن ينوب عنك، قلت جملتي الأخيرة بلهجة مازحة،

وأضفت مازحا : أم آتي أنا بمن ينوب عني، وضحكنا وبدت لي أنها ضحكت..

لا يمكن أن أعقد إتفاقا معها، ف أنا لا أعرف من بداخل هذه الخيمة المتحركة ؟ هذا كان سببي، لم يكن سببي  مطلقا عرفا قاصرا يقزم المرأة.

اعتدلت في قعدتي، تصنعت الجدية، قلت لها ما رأيك أن تتواصلي مع زوجتي؟

أومأت برأسها موافقة، 

طلبت منها أن تجلس قليلا وتنتظر خروج شريكتي، أشرت لجارتي أن تناولها كرسيا بالقرب منها، أصرت الضيفة ان تجلس مثلها على أحدى المقاعد الخشبية التقليدية ذات الإرتفاع المنخفص، فالنساء هنا يفضلن هذا النوع تواضعا.

تواصلتا معا، اتفقتا، حولت ذات النقاب المحل إلى مقهى البن، بدأت تعمل في محلها صباح مساء وتنام فيه، توطدت العلاقة بينها وبين شريكتي، وبعد فترة قصيرة جدا فرض علينا فناجين قهوة ذات النقاب، ساعدتها زوجتي وأقنعتنا جميعا، صراحة كان فنجانها مقنعا للجميع، صرنا أوفياء له. كانت ذات النقاب زوجة مغترب، لم يتواصل معها يوما واحدا منذ زواجه منها ورحيله قبل 6 سنوات، وتبيع هي منذ رحيله فناجين قهوتها وتقتات منها لقمة عيش، أما هو فلا عمل له سوى الإستمتاع بمخصصات اللجوء التي تصرف له شهريا في ذلك البلد الاوروبي المرفه، رق قلب شريكتي لها، وغيرت نظرتها تماما في فناجين نساء يبعن القهوة ..

  بعد عام ونصف العام بدأت العلاقة تسوء بينهما، خشيت زوجتي أن أفتن بجمال صديقتها ، ذلك الجمال الذي رأته هي وأخرسها، ولم أره أنا، أنا لم أر سوى شبحا أسودَ يمشي على الأرض، ولم أدر أ تدبر أم تقبل تلك السيدة ؟

 شعرت زوجتي تلك الفترة بالدوار والضياع والغيرة ، تجملت تطيبت، تشيكت، وتهندمت ، لكنها رأت انها لا تصل إلى ظفر ذلك الكائن المتّشح بالسواد.. في أمسية مجنونة بامتياز أخبرتني أنه علي أن أتوقف عن مساعدتها فورا

قلت لها وانا احاول ان المس شعرها :

_أنا ساعدتك انت يا حبيبتي،

ابعدت يدي عن شعرها وقالت: 

_لا تساعدني اذا طلبت منك مساعدتها بعد اليوم.، ولا تكلمها ولا تسلم عليها بعد اليوم: 

قلت :

_حاضر ..

واضافت وهي تناوش خلصة شعر داعبت وجهها، واعادتها بيمناها الى الخلف:

 _انا مجنونة انا مخبولة وانا استحق ما تفعله بي ، سأطردها من محلنا غدا :

 قلت  بدعابة وأنا اتجه الى الحمام : هل سيشمل عقابك فناجينها ايضا؟ صراحة أنا اغرمت بفنجا ...

قاطعتني وهي تغلي وتفور غضبا وممتلئة بالشر :

 سأقتلكما انت وعاهرة البن معا .. وجهاز هاتفها اخطأ رأسي واحدث ارتطامه بالجدار دويا...


وقف شعر رأسي وتسمرت في مكاني، التفت إليها، فاتحا فمي عن آخره، وحدقتا عيني توسعتا، فلم أعد اعرف ماذا أفعل وأقول .. هل أثور في وجهها وألعنها، أم أصفعها ، أم أقبلها وأتحدث معها بهدوء ، أم أتركها وأنام ؟

العجيب والغريب أن شريكتي هي من طلبت منا  مساعدة صديقتها بل وألحت ان اقنع محاميا صديق، وأقول له أن القضية قضيتي أنا، وعلي أيضا أن ادفع له ما استطعت من جيبي . وبأمر منها أيضا انتظرتها يوميا أمام المحكمة ورافقتها في كل واردة وشاردة في قضيتها التي رفعتها على زوجها المغترب..

 أجبرت ذات النقاب على مغادرتنا، لكنها لم تبتعد كثيرا حيث أجرت مقهى في شارع يقع خلف شارعنا وسكنت فيه.

  بعد أسبوعين من رحيلها وفي ليلة مقمرة ابتلعت نيران الحريق شارعا خلفيا بأكمله، هرعنا إلى مكان الحادث بسرعة، حاولت مع الجميع إنقاذ ما يمكن إنقاذه، كانت من بين الضحايا ذات النقاب، أصيبت بجروح خطيرة، حاولنا نقلها للمستشفى، توفيت في طريقنا إليها وبين ذراعي ، أغمضت عينيها بيدي، وغطيتها ب شال كنت أحمله على كتفي، سقطت دمعتين من عيني على خدها المغطى بالشال حزنا على رحيلها، يومها رأيت وجهها، تذكرت في الحال غيرة زوجتي منها، بررت جنونها، وتأكد لي أنها محقة ومن حقها أن تجن لا أن تغير فقط من صاحبة وجه ملائكي ووجه لم ار له شبها ومثيلا في حياتي،، لعنت في سري طليقها الذي لم يكن ولم يعد، ولعنت جهرا مجتمعها الذي كان اكثر أصرارا من زوجها الخائب على ظلمها.

النهاية


تعليقات

المشاركات الشائعة