أسم لا بد من حفظه: بقلم علي البدر


 "أٌفيش يا ريحة هلي وطيبتهم"


اسمٌ لابد من حفظه

علي البدر Ali Albadr


      قِدْرٌ أكثر من نصفه ممتلئٌ باللبن وشيخ وقور يحمله، سلَّم عليَّ واستمر نحو غرفتنا. شكرته وحاولت مساعدته لكنه أصر على توصيل القدر بنفسه. تبعته ودعوته على الغداء فاعتذر، لكنه أصر على دعوتنا إلى العشاء الليلة. وافق الجميع، لكنني فاجأته بطلب بدا غريبًا. اشترطت مجيئي بقبوله بتناول الغداء معنا. نظر بإمعان إليَّ ثم إلى السُّفرة وجلس وسطنا. شعرت أنه سعيد وفي غاية الارتياح لكنه أكل لقمتين أو ثلاثة ونهض مستأذنًا. وقف عند الباب ومسح يده بلحيته وقال:

- يا أستاذ. شفناك غير شكل. أنت شاب طيب ولا يهونون الجماعة. سولَفْنَه بالمضيف وجبنه سيرتك وتصورناك ابن دلال وتتخوشك علينه وراح ما تحلا لك عيشتنه. لا. لا. يبين أنت إبن عشاير وصاحب نخوه. أستاذ أنت شنو اسمك؟

- "صادق".

- يعني أستاذ " صادق ". ألله يوفقك. وأنت أستاذ من يا عشيرة؟

- يعني ضروري تعرف اسم عشيرتي؟ إنَّ الفتي من قال ها أنا ذا وليس الفتى من قال كان أبيّ!

- لا مو ضروري لكن شيخكم منو؟ شيخكم ضروري أعرفه. أستاذ نريد نعرف اسمه. 

       وكان هذا أصعب سؤال بالنسبة لي لأن مدينة البصرة مفتوحة على العالم وهي ميناء بحري والبصريون بسطاء ومسالمون والذي يواجه مشكله أو اعتداء، يلجأ إلى مركز الشرطة إن تطلب الأمر. وبالتأكيد نحن نعرف أصلنا وانتماءنا لعشائرنا، لكننا لا نلجأ إليها وبالحقيقة، وجودها قد يكون معدومًا تمامًا في حل مشاكلنا. عَلَمُ الدولةِ هو الذي يحمينا. والآن في هذا الموقف، لابد أن أخبره ليطمئن على الأقل. وما الضير؟ سأخبره باسم عشيرتي من أجل ألا أكون حديث المضايف. أستاذ " صادق" ما يعرف عشيرته، يعني ما عنده أصل.

     وعندما أخبرته باسم عشيرتي وشيخها، أبدا احترامه وإعجابه وغادر وكأنه يمتلك معلومة نادرة. خرج خلفه أستاذ " سرحان" مودعًا ويبدو أن حوارًا دار بينهما لأنه تأخر بالعودة إلى الغرفة. وقد استغربتُ من اعجاب الجميع بشيخنا المزعوم رغم أن أسمه وهمي، ولكن لابد من حفظِهِ لكي لا أعطي اسمًا آخر عندما أكون بنفس الموقف.

وكلما كانت السلطة قوية، تضعف الهيمنة العشائرية وتأثيرها في الناس. والخلل هو في انعزال الريف عن المدينة لعدم وجود طرق سهلة تخترق الأرياف. الانعزال يرسخ سلطة شيخ العشيرة الذي يمتلك السلطتين التنفيذية والتشريعية، إضافة لسطوته المادية المتعلقة بلقمة الخبز. وقد ينمو الفكر العشائري في داخل المدينة أو حتى العاصمة خاصة مع عجز الدولة عن حماية المواطنين. أما إذا كان المتنفذون هم من يرتكز على الفكر العشائري فهنا الطامة الكبرى.


تعليقات

المشاركات الشائعة