نوبة: بقلم سعاد جكيرف

 نوبة

حين تسنح لك الفرصة اغتنمها ولا تفكر كثيرا في العواقب، وإلا فلن يداعب نور الشمس دربك ،ستجد نفسك تجول وتصول  متخبطا في غياهب العتمة تائها،تذكر أن تعيش حلو الحياة حتى لا يمحقك مرها، كلماته هاته بقيت ترن في أذني وأنا متكور على نفسي كحلزون خائف في صندوق أمتعة على سفينة تغادر أرض الوطن، أعتقد أنها آخر محطة من محطات الظلام التي عايشتها في حياتي البائسة

آه يا وطني ،رغم حبي لك وعشقي السرمدي لعبق ثراك،إلا أنه يتحتم علي الفرار بجلدي خوفا من اللاعدالة...

طرق خفيف أعلى الصندوق،بعدها انزاحت قطعة الحديد الصدئة التي تسد منبع الهواء والضوء عن اللحد الذي أرقد فيه،تسلل الرائحة النتنة  إلى أنفي أنبأت بمجيئه...

- هل أنت بخير،صوت هامس، تناهى إلى أذني

- نعم يا معلم،بخير،لكنك أطلت الغيبة هذه المرة،كدت أختنق

-اصبر لم يبق إلا القليل،ساعتين ونصل بر الأمان،أعاد قطعة الحديد مكانها ومضى مبتعدا بخطواته المتثاقلة،ومرة أخرى سكون رهيب يكتنف المكان، عدا دقات قلبي الموجوع،تتوالى متلكئة وكأنها تذكرني بأنني على شفا الموت،غرقا أو شنقا،لا فرق بين الاثنين، فالمنية واحدة وإن تعددت أسبابها... 

كيف حالها يا ترى؟ وهل وصلها الخبر،أقسم أن فرقتها تحز في نفسي،لكن لا حيلة لدي،فالفرار كان الحل الوحيد لأنجو من جرم لم أقترفه، كيف لي أن أغازل ابنة العمدة جهارا نهارا؟! وهي تلك المتسلطة المغرورة بجمالها،الكل يعلم أنها مخطوبة لابن عمها السفاح، ولا يجرؤ أحد على الاقتراب منها،لكنها،وانتقاما مني توعدتني بأنها ستشكوني لخطيبها وتتهمني بالتحرش بها،كل هذا لأنني رفضت أن تعمل أختي خادمة لها،أرادت أن تذلني،وتذل أختي،لكن هيهات...

ارتطام قوي،جعل الصندوق ينقلب مرارا وتكرارا في قبو السفينة، كدمات على وجهي ورأسي،صخب وعجيج في الخارج،لا أدري كنهه، ماذا يحدث،يا إلهي!!لا أستطيع الصياح،فلا أحد يعلم بوجودي غير المعلم،فالمفروض أن الصناديق مملوءة بجلود البقر الموجهة للبيع خارج البلد،ماهذاااا!! أحس بالبلل،هل تبولت على نفسي من شدة الهلع!! لا ،لا أعتقد،يبدو أن الماء يتسرب إلى الصندوق من الثقب اللعين!! ،أممم مالح،ياالله،السفينة تغرق!!

يالا سخرية الأقدار،الثقب الذي من المفروض أن يكون سبب نجاتي، أضحى كاتم أنفاسي... أنجدوني،يااااااا معلم،يااامعلم، لا أحد يسمعني، بدأت أضرب في ألواح الصندوق وأحاول رفع رأسي بعيدا عن المياه التي بدأت تغمر كامل جسدي،لا أدري كم من الوقت مضى وأنا أتخبط خائضا غمرات الموت، فجأة، صفعة قوية على وجنتي وصوت حاني يتناهى إلى أسماعي:

-أخي،أخي،استيقظ،هل أنت بخير؟!

فتحت عيني ،فوجدتني عائما في بركة ماء،،لكن من الذي جاء بي إلى هنا؟....آه تذكرت الليلة الماضية،تعاركت والسفاح خطيب ابنة العمدة الشمطاء،يبدو أنني فقدت الوعي لمدة من الزمن، انتفضت مزمجرا: أين هو؟ أين هو؟

- من ؟!

- صهر العمدة

- يبدو أن الحالة قد عاودتك يا عزيزي،أ لم تشرب دواءك؟!مسكين أنت يا أخي،رفض ابنة العمدة لك وزواجها من ابن عمهابعد حب أسطوري جمع بينكما،جعلك تنهار و تصاب بنوبات من الفصام...

          

                                بقلمي:      سعاد جكيرف

تعليقات

المشاركات الشائعة