مطر بدون غيوم: بقلم على البدر


 مطر بدون غيوم


عطشٌ شديدٌ داهمني وباتت وجوهُ الركاب مغبرةً تمامًا. أخرجت منديلي الأبيض من جيبي ومسحت وجهي وتمنيت الحصول على قدح ماءٍ صافٍ وبارد، لكن قطراتٍ متقطعةً انهمرت على رأسي وشقت طريقها نحو وجهي وتوغلت إلى رقبتي وتناثرت على بدلتي المغبرة. 

- مطر! مستحيل أن تمطر بدون غيوم ولا رعد وبرق وفي هذا الوقت بالذات. أيعقل أن يكون المطر هنا مالحًا بطعم غريب؟ هل أصبح للماءِ طعمٌ؟ أمر عجيب والله، وأنا تحت سقف هذه السيارة الأثرية.

- نظرات توزعت عليَّ وعلى أستاذ " سرحان" وأيضا على أحد الفلاحين أمامنا.

- سووها الملاعين؟ قال أحدهم.

- غنم حجي " بنوان " ألله يحفظه. الراعي باع نص وبقي نص. السوق ضعيف والرزق على ألله، أكمل آخر. 

وقد أيقنت من كلامه، بأن هذا النوع من المطر المالح المتساقط من سقف السيارة، اعتيادي ولا يثير الاستغراب أو الاشمئزاز أبدًا. ولم أدر ِكيف أتصرف في هذا الوسط الذي ترمقني به عشرات العيون، وأنا أحاول التخلص من حرقة غير مألوفة في عمق عينيَّ ومن تلك الملوحة الممزوجة بحموضة التصقت على لساني وفي محيط فمي، والتي تسربت في عمق البلعوم. كل شيء متوقع في مسيرة حياة الإنسان، ومن غير المتوقع أن تبقى تلك الحرقة التي لا تضاهيها حرقة أقوى أنواع القطرات الطبية المعقمة للعين. يا ترى هل هذا المدعو حجي " بنوان" يسقي غنمه حامض النتريك؟ 

تذكرت أحد أقاربي عندما كان يحمل طفلَهُ الرضيع، ومحاولة الزوجة تخفيف وطأة المصيبة. إن ما حدث سيجلب الرزق والبركة وهذا شيء مجرب. يا ترى. ماذا سيجلب لي الحظ وأنا في هذه الورطة التي من المستحيل أن تطرأ على بالي؟ 


علي البدر  Ali Albadr  


مستل من رواية البسروكَيتا


تعليقات

المشاركات الشائعة