انك لا تكتب من فراغ: بقلم أحمد تغروط

 إنك لا تكتب من فراغ . و رغم ادعائك الحرية، و توخيك الحياد، فأنت مقيد ،و تكتب اِنطلاقا من مرجعيتك، و قناعاتك، و تكوينك الإجتماعي و حتى البيولوجي ...

فكل ما تخطه أناملك جزء من شخصيتك .

أما أنا فأكتب لنفسي أولا و قبل كل شيء؛ كبلسم لداء الحياة، و شعائر للتطهير، و مناسك للزهد، و طريقة لعلاج الذات المتوجسة و المتأزمة، حين تغرق في السؤال، و ينتابها القلق الوجودي، فتميل إلى الوحدة و الإنطواء، و أكتب علها تنتشلني حروفي من جنون الهذيان. فثمة شناعات في دهاليز الروح لا تخرجها عدا الكتابة. و لذلك ما فتئت أبوح بالقلم و أنوح على الورق...

أكتب للحمام الزاجل و الطيور المهاجرة، أكتب للبلابل الصامتة و الحزينة في الأقفاص،

و لكل الضفادع، التي أخرسها صقيع القهر في البرك و الأنهار. أكتب لدودة القز ما عادت تنتج الحرير، أكتب للغربان و طالع الشؤم. أكتب للبوم الذي يشبهني في عشق الليل ، و كل الخفافيش التي تسبح في الظلام مثلي.

أكتب للمضطهدين و المشردين و المغلوبين، في هذا الزمن الجائر و الكئيب. أكتب عن زماني الضائع و مصير وطني ...

أكتب عن كل المحطات التي تكون قد وطأتها قدمي، أو زرتها في الحلم، أكتب للأماكن التي وددت زيارتها، و لم تسعفني ظروفي ...

أكتب للأشجار العارية و الجدران الواقفة تحرسني ...

أكتب لكل شيء و للاشيء

أكتب لعجزي عن القول جهارا

أكتب لملء الفراغ الذي بداخلي،

و يمزق أحشائي.

أكتب هلوساتي لمواساتي

أكتب هروبا من الحمق ...

-أحمد تغروط.. رمضان مبارك



تعليقات

المشاركات الشائعة