لاجئة: بقلم رائدة علي أحمد

 قصة قصيرة

لاجئة

كان الشتاء ينهال على حديقة المدرسة تكسيرا وتخريبا، والبرد يلسع لحمنا الطريّ،وكان زجاج القاعة المقفلة يبكي بغزارة! بينما كنت أراقب الجمال الهارب مع السيول، وبيديّ قفازات صوفية تقي نعومتهما، والمعطف يصدّ البرد عن صدري، والشال يطرد الهواء القارص عن عنقي، ويمنع هدير العواصف والبرق والرعد عن أذنيّ. حينها رأيتها تنحى زاوية مظللة، حافية القدمين والصدر الرأس، في يدها جوارب رثة تحاول تجفيفها عصرا باليدين الراجفتين.

تركت الريح تعوي في الخارج وفلقت طوابير اترابي فاتحا  طريقي إليها، فسألتها بدهشة تعلو كلماتي المترددة:

ألم تعرفي أن الحفر عمياء، تنصب لنا فخافا من السائل الرخو؟

لم تجب، بل اجهشت بالبكاء حتى خلت المطر يهطل من مدامعها، فقالت : انظر. 

 نظرت إلى حذائها المشقق الذي كاد نعله ينفصل عن جلده 

انحنيتُ، وحملتُ الحذاء محاولا إصلاحه. فقالت صارخة:

ارجوك لا تفسد بقاياه، فاليوم طويل، والعودة عسيرة، والعوز لئيم أخذ مني والديّ، وترك أخي الذي لم يبلغ الحلم بعد يرعاني وأخويّ الصغيرين.

كاد الحزن يمطرني ضربا، وابرقت عيناي، فهطلت، خلعت قفازاتي فانتعلتْها، ومعطفي فمنع عنها الرجفة، وقلت سوف نتقاسم البرد والصقيع، ولنا في اليوم الآخر خلاص.

في اليوم التالي كانت أمي تحمل محفظة جمعت فيها أسلحة واقية للبرد، واصطحبتني إلى المدرسة بغية رؤية زميلتي سهام

غير أن سهام أخذتها العاصفة إلى حيث والديها. وتركت مكانها شاغرا إلا من الذكرى المؤلمة التي ظلت تخز ضمير أمّة انشغلت عن أطفالها بالتفاهات.

د. رائدة علي أحمد



تعليقات

المشاركات الشائعة