كلنا نحب البحر يا ماريان: بقلم حميد محمد الهاشم

 قصة قصيرة.

" كلنا نحب البحر يا ماريان"

-"إنْ كان من يصيدنا امرأة مثلكِ، أو من كان مثلنا هو من يصيدكِ،  ذلك سِيّان.. أعرفي ذلك بينما أنتِ تذهبين إلى البحر الأزرق كل يوم" 

خاطبها بينما كانت عيناها لا تستقران على موجة بعينها.

  كان صيدا سهلا ، اعترفَ بذلك إلى الطرقات، الحدائق، دفاتره ،كتبه القديمة،أرصفة الشوارع التي أدمنت خطاه، وحتى تلك العربة التي كادت تصدمه. 

نعم كان كذلك ،

سهلاً،

لا يعني أن من ألقت صنارتها كانت ماهرة في الصيد ، لكنه كان فريسة شباكها، شاء أم أبى ،وما يغيضه ولم يغيضها أنه ما زال  يفاوض شباكها الذي لم يعرف لغته ،صامت مثله ،ومثل صديقه الذي لم يكن مثله.

صنارتها لا تحتاج إلى كثير من الذكاء لكي تقتنصه من بحره هو ،الى بحرها هي.

صديقه لم يكن كذلك ، رغم أنها حاولت اقتناصه ،ربما فلت من يديها أكثر من مرّة .

صاحبة الشواطيء الجميلة  تلك؛ كانت له ولم تكن لصديقه ، ثم لصديقه وليس له.

أمسها كان له وغدها انصرف عنه.

زواج بدائي للحواس مع بعضها.

رغم أنها لم تقرأ ما داخل الموج ولا تمتلك مهارة الصيادات باحتراف عال، الآ أنها تمتلك عينين تمكنتا من اصطياده.

عسل رمادي يتأرجح ما بين لون اللوز والفستق الجبلي.

هو رأى ذلك بيد إنه لم يصدّق ، فيما بعد صدّق ذلك ؛  كي يكون أميناً في تفسير آية العيون؛ اكتفى  بالتاويل فقط.

عيناها اللتان تجيدان من اللغات ما تترجم أعماقها المكتظة بانكسارات وخيبات وأحزان خفية ؛ تدفعها للدوران حول هذا أو ذاك.

صديقه لم يرَ ذلك ،لم يكن بين حاجبيها ليكذّب ما يرى فيما بعد. أرجّح أن هذا كان سبباً مقنعاً لعدم ابتلاعه طُعِمها الكاذب...كانت تشتهي وتشتهي فقط.

  لم يكن ذكيا كي لا يبتلع الطُعم؛  بل لأنه يفتقد إلى مسحة الرومانس التي لدى 

 صاحبنا و الذي لديه ما يكفي من ذلك الوهج كي يقضي شهر عسل مزيف.

هو مسكين نفسه، بين الصيد وبين البحر وبين البين.

 ذاك لم يكن يمتلك...

وهو كان يمتلك  سبباً كي يأكلُ خديعة الصيد.

حين التقاه  على الشاطيء ، ثلاث من الورود كانت في يده...لِمَ ثلاث؟!.لا صديقهُ يعرف ولا هو ، وربما حتى هي لا تعرف لمَ اختارت ثلاثاً، ليس أكثر ،ليس أقل.

لم يقلْ ولم يبدُ عليه شيئا؛ حين سأله  بشيء من اللهفة.

 " أهذه ورود ماريان" ؟

لأنه لم يكن على قدر عالٍ من الرؤية؛ دفعه ذلك أن يمنح تفسيرا ساذجا للورود وعددها : 

" التقيتها...كان لقاء عابرا ".

تحدثا عرضا وطولا ، لكن ماريان كانت تتقافز بين خطوط الطول والعرض لقارة الكلمات التي تتطافر من فمهما.

كي يكون منصفا لنفسه ومنصفاًمعها ومع نفسه ، تذكر إنها كانت تبعث له باقات من الأشعار ،كلمات دافئة ، كان ذلك كافيا ليتلقط ما التقطه منها.

كي أكونُ  أكثرَ أمانة أقول إن ثمة ما في داخلها يخطط لها دون أن تعي ذلك. 

  أعشاب متوحشة تتناسل في بحرها؛ تجعل جهاتها الأربع تختلط عليها. 

ليست لعوب..

لا..،هي لعوب..

هي تقصد ،وهي لا تقصد، لكنها قصدتهُ وتم اصطياده ؛بلعبة دخلتها بحرارة وخرجت منها باردة ، لعبة الكلمات الشبيهة بالموج لا تدل على أنها أخرجته بارداً؛  بل ما زال دافئا رغم خروجها هي من اللعبة.

كونه كان سعيداً بإصطيادها له ؛ هذا لا يعني أنه لم يكن يدري انها كانت تتأمله  بين درجتين متعاكستين من الحرارة.

وكون رفيقه غبيا  لم يترجم لغة الأزهار جيداً ؛ فقد فلت من الصيد.

رفيقه ذاك كان  غبيا إذ لم يكن سهلاً، وقد كان هو أحمقا حين كان سهلاً.

_" هل حقاً أنها من صممت لك هندسة حديقة البيت"

_" هذا صحيح..رغم إني لم أطلب منها ذلك..!

" هههه هههه" 

" ماذا يضحكك .. بماذا تفكر "؟

شاهدها وهي تعبر منطقة ضباب أزرق وهي تمسك بذراع صيد جديد.

ههه ههه.

لا يفكر إلا بالكلمات.. ويكتب ويكتب...

_" كنتُ صيدا سهلاً..

نعم ، كنت كذلك... اعترفتُ للطرقات.. والحدائق..ودفاتري..ووو..

لكن ما لا تعرفه  هي  وما لم أقله أنا:

أنها كل يوم تذهب إلى البحر ؛ و حين لا تجد من تصطاده ؛ تصطاد نفسها..، وهي تعرف ذلك، فمرة هي الصيد.. ومرة هي الصياد.

فكلنا ،ومهما نكن ، كثيرا ما نحب الصيد يا ماريان."


حميد الهاشم/ العراق

*( القصة فائزة بالمركز الأول في مجلة سحابة الحروف/ تموز 2023)


تعليقات

المشاركات الشائعة