نبؤة: بقلم سيد جعيتم

 نبوءة ( قصة قصيرة)

بقلم: سيد جعيتم


نبوءة

مُنهكُ القوى جلس أمام زوجته، علي ضوءِ شعلةِ مِصْبَاح صغير كشف لها ظهره،

اعتادت رؤية أثارَ السياطِ الداميةِ، بللت خِرْقَة بماءِ البئر الملوث، مرت بها فوقَ جراحه.

 صمت يغالب وجعه، تحجرت الدموع في مقلتيه، انزوى بجوار الجدار يغالب آلام نفسه .

تقاسم ما رزقه الإلهُ مع من يعول، لقيماتٌ قليلةٌ نجا بها من الجلادين، يغمسونها بالماءِ والملحِ.

حفرةٌ عميقةٌ من الظلامِ جسمت فوق النورِ سحبتهم مجبورين لقاعها، خمدت مقاومتهم تحت سيوفِ وسياطِ الطغاة، في قاعِها اعتادوا غيابَ النورِ، قبعوا يترصدون ظهور المخلص.


جن الليلُ وأرخي سدولهُ، أشار الكاهنُ لمرافقيهِ الواقفين ببابِ الغار، لم يحن موعدُ خروجهِ، استداروا عائدينَ من رحلتهِم اليومية.

بين أضواءِ المشاعلِ في محرابِ القرابينِ بالمعبدِ الكبير، اصطف الكهنةُ حالقي الرؤوسِ علي جَانِبَيْ القاعةِ، يرتدون الخشن من الثياب البيضاءِ 

 يتلون التراتيلَ المقدسةَ والمؤمنين راكعين في خشوع، أنظارُ الجميع معلقةٌ بباب قدسِ الأقداس.

خرج عَلَيْهِمْ المهيب كبيرُ كهنةِ آمون رع (بتاح مس)، طأطأَ الجميعُ رؤوسهم، جال بينهم ببصره، أقترب من وعاء البخور المجلوب من بلادِ بونت، تناول حفنة قذفها في الموقد، تصاعدت رائحةُ البخورِ الذكية وغلف الدخانُ المعبد، بدأ الجميع مخدرين.

طال صمتهُ، لم يجرؤ أحدٌ علي رفع رأسه، أغمض عينيه، صاح مهلل بصوته الجهوري المؤثر: - هو آتٍ، سيبزغُ النور، المتون لا تكذب.


 - نم يا بني، لمَ أنت كل مستيقظ؟

= نمتُ كثيرًا، سأنهض.

- لا تجادل فتُغضِب الآلهة نَمْ... هو آتٍ، بشرنا اليوم الكاهن ببزوغ فجره.

= نمنا كثيرًا في انتظاره، لن يأتي، حان وقت البحثِ عنه.


انفلت الابن من بينِ المؤمنين المنتظرين خروجه ببابِ الغارِ، دلف للداخل.

يعم المكان ظلاما دامسا ورائحة عطنة، انتظر الفتى حتى تعودت عينه الظلام، سار في دهاليز متشابكة متعرجة أرضها غير مستوية.

سمع صوتا ضعيفا يئن، يصدر من قاع حفرة عميقة، يناديه:

ـ أنتظرك لتخرجني من مئات السنين.


بقلم سيد جعيتم

جمهورية مصر العربية



تعليقات

المشاركات الشائعة