تجربة جديدة في كتابة القق: بقلم علي البدر ومناف بن مسلم

 ((ضمن التجربة الجديدة في كتابة القصة القصيرة))


كاتبان في قصة علي البدر ومناف بن مسلم

"بائع الشاي"

 كتبها مناف بن مسلم وأكملها علي البدر لتصبح "مابعد بائع الشاي"


      كرهتُ الحَرب منذ اللحظة الأولى عندما دخلنا المدينة فجرًا. أمضينا الليل كلّه نقصفها بالمدافع والطائرات. وعندما دخلناها كانت البيوت مهدمة على ساكنيها والحرائق في كل مكان. لَمْ أستطعْ منعَ نفسي من البُكاء بصوتٍ سَمعهُ زميلي الذي أرعبه كثافة الدخان الأسود وهو يظللنا كسحابةٍ ثقيلةٍ جدًا مليئةٍ بالمطرِ القاتل. ولما سألني أجبته انني رأيتُ امرأةً تشبه امّي جالسة بين أنقاض احدى المنازلَ تبكي وتلطمُ على رأسها وحولها جثثاً مهشمة. فأرتفع بكاؤه أكثر مني ثم تقيأَ بعد أن رمى بندقيته جانبا. 

        واليوم بعد عشرين سنةٍ أعاد انفجار الإرهابيين المفخخين في ساحة السوق صباحًا في ذاكرتي نفس المشهد. عندما رأيتُ تلك العجوز التي تشبه امّي في أيامها الأخيرة، جالسةً محتضنةً جثةَ رجل هو ابنها بائع الشاي، وربما هي تظن ذلك، وقد تقطعت ساقاه ويداه ووجهه مغسول بالدماء، تبكي وتلطم على رأسها دونَ أن تَشعر بالجرح النازف في رأسها. ولم اتوقع يومًا انني الملمُ بقايا جسد لمن سهر على تربيتنا وحرم نفسه من الزواج وتكوين أسرة بعد مقتل والدنا في حرب استمرت ثمان سنوات، لندخل بحرب مجنونة ثانية دمرت الحرث والنسل واستباحت البلاد حيث داس ترابها أجنبي محتل.

           وكانت المفاجأة عندما توقفت احدى ناقلات الجنود امام مدرستي ليخرج منها أحد الضباط ومجموعة من جنوده. هرول المدير نحوي وطلب مني التحدث معه عن غَرَضِ دخوله الى المدرسة. جندي حمل كرة قدمٍ رماها وسط الطلاب حيث انشغل بها بعضهم، غير مبالين بما يجري لكن أحدهم مسكها غاضبًا ورماها بوجه الضابط بكل جرأة.

-لقد اعتدنا على هذه المشاهد. شَتْمٌ وتهديدٌ ورميٌ بالحجارة. غريبٌ امرُكُمْ. قال مترجمه بارتباك. لقد رفض طلابُكم اللعبَ بكرةٍ، قدَّمَها الضابط هديةً وهو الآن يجهل سبب الرفض.

-يجهل! غريب امرك وأمره. قل يتجاهل وإن أراد الحقيقة فلابد أن تسمعه من الطالب نفسه.

      وكنت أعرف "منتظر"، من خلال تدريسي اللغة الإنكليزية. طالب ذكي هادىء الطبع لايتكلم إلا عندما يُسأل، لكنه نهض من مقعده يوما بعد أن أُثيرَ موضوعُ استغلال الحاكم وتجويع شعبه عندما ذكرتُ المثل المعروف : "أجع كلبك يطعكَ"، حيث بدا وكأن بركانًا انفجر في أعماقة: عفوك أستاذ. أجع كلبك يأكلك. ولم نستغرب كلامه عندما وقف أمام الضابط بكل جرأة وهو يجول ببصره نحو المدير والمدرسين ثم يشير بسبابته نحو الضابط:

-لن تشغلنا بكرتك التي تدنس ارض مدرستنا ولم يفدك كسر ابواب المخازن والمحلات لتجعلوا البعض ينهبها وينشغل بها لتصوروا شعبنا بأنهم لصوص. نحن نكرهم. نكرهم ايها الغزاة. أخرجوأ. أخرجوا ومن غير رجعة. 

     إبتسامةٌ صفراءَ وَرَدٌّ منفعلٌ في منتهى الخِسَّة والنذالةِ وسيلٌ من الشتائمِ ربما لم نسمعه حتى في أقذرِ الأزقةِ ال


أميركية.

تعليقات

المشاركات الشائعة