ليعلو صوت الغزل: بقلم أبو القاسم محمود

ليعلو صوت الغزل كلما صادفت قضية مشابهة على مكتبي ٱنفلت تفكيري من عقاله، لست أدري لماذا، أنا أيضا كنت شابا يافعا ذات يوم، وقعت تحت تأثير سحر الغمازات والعيون العسلية! لم تكن النساء بهذه المفاتن كما اليوم، لكن الرجال كانوا بنفس الألسن والعيون.. كلما آويت إلى نفسي في جلسة جلد ذاتي أفشل في تكييف الجريمة المرتكبة لكل عضو وأحشر نفسي في أوراق كل قضية ! ولأني قرأت يوما جريدة تعنى بالقانون، تشابه البقر علي ما بين الشرعي والوضعي؛ تهت بين منعرجات العمد والخطأ وسبق الإصرار، بين شكل النظرة التي تباح لي والأخرى التي تحسب علي.. عند كل جلسة أكون أنا المتهم؛ في حالة عود متكرر بعد سوابق عدة! لكني وبحكم معرفتي أتحايل على القانون عبر التغاضي عن فصول ظروف التشديد، أتزود قبل كل محاكمة بآيات تحض على الرحمة والغفران لأستحضر إنسانيتي قبل النطق بالحكم، أغمض جفني كلما داهمني الوعيد.. أتقمص دور النائب العام والجاني في آن واحد، أوجه الإتهام للعين بالزوغان وتجاوز الخطوط الحمراء، أعرج على القلب لأتهمه بجريمة الهوى غير المبرر، أنتقل للسان لأسرد عليه خطاياه! ودون أن أمنحهم حق الرد ألتمس لهم تغليظ العقوبة والحكم بأقسى ظروف التشديد حتى تهدأ العواصف.. حين تطيب الخواطر، وبعد الإنصات لصوت العقل أشعرهم بالحق في الإستئناف ! أصوغ مداخلة حبلى بمعاني الرحمة والحب، أسقط بقطرة مداد كل التهم المنسوبة لأعضائي، وبحجة أن (المتهم بريء حتى تثبت إدانته ) أخبئ دلائل الإدانة وأهدد الشهود سرا، وحين يعلو صوت مطرقة رئيس الجلسة أذكره بدوران الزمن وحتمية الخطأ .. أوجه الإتهام بشكل صوري لأرضي طموحات العنصر النسوي في قاعة المحاكمة والجمعيات الحقوقية والسلطة الرابعة، وبعد الإنتهاء، حيث يقتنع الجمع بحياديتي ألبس جبة المحامي لأدافع عن جسدي المنهك .. -أسأل العين: لماذا تطيلين النظر. -تجيب : لست أنا من يفعل، أنا عضو مأمور، وهنالك قلب يدفعني لذلك. -أحول السؤال للقلب فتنطقه غريزة الدفاع عن النفس: لولا الأقدام التي قادتني ما كان يحدث ما حدث. أتماهى كليا مع منطقية الردود وأبدأ رحلة الدوران الثلاثية بين عناصر الجريمة، ولتأكيد أقوالهم يستحضر كل عضو شهود العيان ! تغص كراسي المحكمة بالحضور، يتشتت شملي جزيئات، أستجمع قواي بصعوبة، أحاول ٱستحضار نص يقود لقرينة البراءة، تفشل ذاكرتي المتعبة فألتمس مهلة للمداولة ! أمضي وقتا عسيرا بين المراجع فأعثر على نافذة للخلاص، أمتع أطرافي بالسراح المؤقت وأحدد تواريخا متباعدة بين الجلسات، أدعو أعضائي لغياب مبرر وأؤجل الجلسات بدعوى الحرص على عدالة المحاكمة ظاهريا، وباطنيا لأنهك الضحية .. تسجل مؤسسات الإحصاء أرقاما مهولة تخص العزوف عن الزواج ، ٱرتفاع نسب الإنتحار لدى النساء ، خلل على مستوى التوازنات النفسية ... أستفيق على مظاهرات عارمة بصيغة المؤنث أمام البرلمان ومحاكم الوطن تطالب بإلغاء قانون التحرش .. يستجيب نواب البرلمان على عجل للمطلب بأثر رجعي، وقبل أن ينشر القانون في الجريدة الرسمية أستغل صفتي كممثل للحق العام لأعطي الإنطلاقة للمناوشات التسخينية على وقع هدوء كان مفتقدا قبل حين، ولتبور تجارة صافرات الإنذار المبكر التي أزعجتنا طويلا. -أبوالقاسم محمود/المغرب * حركة الصافرات حركة نسائية مغربية دعت لمحاربة ظاهرة التحرش اللفظي عبر الصفير.

تعليقات

المشاركات الشائعة