السجينة: بقلم محمد السر شرف الدين

قصة قصيرة السجينة يراقبها بنور فؤاده وهي طريحة غرفة الإنعاش ولسانه يلهج بالدعاء لها بالسلامة و النجاة، يتساءل ماذا جذبه لتلك الفتاة، هل ملامح وجهها البريئة أم هناك شئ مبهم لا يفهمهُ، فقد كانت مُغمضة العينين وفي حالة إغماء عندما إنتشلها من تحت ركام الزلزال، يعمل باسم بشعبة الإنقاذ المدني منذ عشرة سنوات جاب معظم أرجاء قطرهِ الحبيب وقد أنقذ خلال تلك الفترة عدد كبير من المنكوبين وعَاصَر العديد من الأهوال، ولكن خفق فؤاده لتلك الفتاة وسيمة الطلعة دون سائر النساء، خرج الطبيب من غرفة نادين تسبقه إبتسامة عريضة فقد تم بفضل الله السيطرة على النزيف وجاري معالجة الكسور، تهللت أسارير باسم وحمد الله كثيراً على نجاتها، عند صباح اليوم التالي دخل غرفتها وبرفقته باقة أزهار طبيعية ملأ أريجها الفوّاح محيط الغرفة، تسمّر بمكانه بعد أن باغتته مقلها الساحرة فهو يراهما لأول مرة، بعد برهة إنتيه لنفسه فقام بتقديم الأزهار واطمأن على صحتها وعرّف عن نفسه، فجأة صاحت بنبرة عالية : إبتعد عني أنا شعلة من لهب قد تحرقك بأي وقت وأنا أعرف جيداً إلى ماذا ترمي نظراتك، إندهش من حديثها وطلب منها أن تفسّر له معنى حديثها. قالت له : تُوفي خطيبي الأول بحادث سير مريع وهو بداخل الحافلة والثاني تُوفي أثر سقوطه من الطابق الخامس اثناء زيارته لشقة زواجنا، وتوفيّت صديقتي الحميمة جراء حريق يوم زفافها عن طريق شمعة كنت أحملها بيدي، وتعرّض معظم أهلي للوفاة ودُفنوا تحت ركام الزلزال، هل أن تريدني أن أواصل؟. تعجّب من طريقة تفكيرها وحاول أن يشرح لها أن كل تلك الأحداث هي أقدار الخالق ويجب التسليم بها، لكن يبدو أنها لم تقتنع تماماً بما قاله، فكّر أن صديقه عبد السلام سوف يساعده بذلك الأمر، أنهى الزيارة على أمل العودة غداً ليطمئن عليها فلم يكن لديها أحد من العائلة سوى عمها الذي يعمل خارج البلاد. جاء في اليوم التالي بصحبة صديقه الدكتور عبد السلام وهو عالم دين وإمام مسجدهم بالحي وخريج الأزهر الشريف، كان منطقه سلس وأدلته دامغة وأسلوبه جذّاب، تحاور معها لما يقرب الساعة وبدت أكثر راحة وأكثر تقبّل لما حدث معها من نكبات وشكرت الدكتور كثيراً، صار باسم يتردّد عليها كل يوم وحكى لها معظم تاريخ عمله بالإنقاذ وما واجهه من حالات حرجة حريق، غرق، زلازل، أوبئة وغيرها، وروت له هي قسط من تفاصيل حياتها، واكتشف أنها متفوّقة بتخصص الإقتصاد وتتحدث ثلاث لغات بجانب إجادتها لبرامج الحاسب الآلي، تعددت مقابلاتهم داخل وخارج المستشفى بعد إكتمال علاجها، وبإحد اللقاءات إعترف لها بحبه واكتملت فرحته عندما علم أنها تبادله الحب، إتفقوا أن تذهب معه لقريته النائية لآكمال مراسم الزواج، في أثناء إقترابهم من قريته شرح لها بحسرة عن تلك الأراضي الزراعية الجافة التي تشتهي معانقة الأمطار منذ فترة، ولا يسقط إلا قليل من المطر، تمت مراسم الزواج وأكرمها أهل الزوج بأفخم الهدايا، وأهداها عمها عقد عمل لها ولزوجها، أكرمهم رب العالمين بوابل من الأمطار جرت كالنهر، لقّبوا الزوجة باسم (بشرى). محمد السر شرف الدين /السودان

تعليقات

المشاركات الشائعة