اولادنا حياتنا: بقلم عبده داود

أولادنا حياتنا قصة قصيرة استيقظي ماما، هيا لقد تأخرتِ، ماما هيا انهضي، ستصل سيارة المدرسة، حضرت لك الفطور، هيا حبيبتي، كنت تقومين وتهيئين نفسك بنفسك، ماذا حل بك هذه الأيام؟ تقلبت الطفلة في سريرها وبكت، لا اريد الذهاب إلى المدرسة، لا أريد، بطني يؤلمني، أنا لا أحب المدرسة، هم يضربونني، يهددوني، أنا لا أحب المدرسة... هذه المحادثة صارت تدور يوميا عند تلك العائلة، تنتهي بذهاب البنت إلى المدرسة مرغمة، تحت الحاح وترغيب أهلها... قالت الأم لزوجها: هذه الحالة غريبة عند سمر، كانت تستيقظ بمفردها، ترتب حالها بنفسها، لكن تغيرت أحوالها في المدة الأخيرة حتى صحتها تراجعت لم تعد تأكل وجباتها. سابقاً كانت تحب المدرسة، اليوم تتحجج بأنها مريضة، لم تعد راغبة الذهاب لمدرستها كما كانت. ربما أحدهم يضربها، وتقول يهددونها ماذا تظن السبب؟ قال الأب لا بد لنا من زيارة المدرسة... شرحت الأم للمديرة سبب الزيارة، والحال الذي وصلت إليه ابنتها، طلبت المديرة معلمة سمر وتناقش الجميع في سلوك الطفلة في الفترة الأخيرة... أكدت المعلمة تراجع سمر الواضح، لم تعد تشارك في الدروس كعادتها، حتى الألعاب التي كانت تحبها لم تعد راغبة فيها، صارت تبكي في أغلب الأحيان دون سبب واضح وتضيف المعلمة قائلة: عندما أسألها لماذا تبكين كانت تقول: إن بطنها يؤلمها، قد تكون زائدة دودية؟ قالت الأم أجرينا لها تحاليل كثيرة لا يوجد ما يدل على وجود التهاب ما. قالت الأم: تقول ابنتي: أنهم يضربونها، ويهددونها ربما أحد الطلبة، في الباحة أو ربما في سيارة المدرسة أثناء الذهاب والإياب، لا بد من وجود سبب لتراجع سمر الصحي والنفسي...وتهربها من المدرسة بعدما كانت تحبها... أحضرت المعلمة الطفلة إلى غرفة الادارة. تفاجأت الطفلة بوجود امها، ركضت نحوها وانفجرت بالبكاء، كانت تنحب وتصرخ: خذيني معك للبيت، أنا لا أحب المدرسة... استغرب الجميع سلوك الطفلة المستجد، وهذا التبدل الكبير الحاصل عند الطفلة، وكان لا بد من البحث وراء هذا التغيير الحاصل في سلوك الطفلة ذات الست سنوات، اهتمت المديرة بالأمر، وقررت جادة أن تعرف سر هذا التغيير وما الذي جعل سمر تكره المدرسة إلى هذا الحد، بعدما كانت تحبها بالفعل، بل كانت من المتفوقات، ومن الذي يهددها وتخاف منه، ولماذا يهددها، وبماذا يهددها؟ طلبت المديرة من مشرفات المدرسة وجميع المعلمات الاهتمام الجاد والصارم بالأمر، طلبت من المعلمة مراقبة سمر في الصف، وخارج الصف، وفي كل حركاتها، كذلك طلبت من مشرفة سيارة نقل الأطفال من وإلى بيوتهم مراقبة سمر وكل زملائها التلامذة، ومن الذي يجلس بجانبها، أو يزعجها بأي شكل من الأشكال؟ المعلمة لم تكن تلاحظ غياب سمر عندما كانت تذهب إلى قضاء حاجة طبيعية. كانت تظن إن الأمر عاديا، فتاة تذهب لقضاء حاجة طبيعية. هذا أمر عادي، وجميع الأولاد يطلبون اذنا لذات السبب، أو لسبب مقنع آخر... استرعى انتباه المعلمة مدة غياب سمر عندما تذهب لقضاء حاجتها، أطول من الوقت المعتاد عند التلامذة، وهذه المرة تأخرت فعلا، تركت المعلمة صفها ولحقت سمر. سمعت صوت بكاء طفلة صادر من غرفة عامل تنظيفات المدرسة... اصغت السمع، عرفت صوت سمر، الباب كان موصداً، رفست الباب بكل قوتها وخلعته... شاهدت الكارثة... تحرش جنسي وحشي... استنفرت المدرسة، جن جنون المعلمات. جاءت الشرطة، جنت البلدة. وجن جنون الأهالي... ودار الخبر في البلدة، كما تدور النار في الهشيم... أترك للقارئ تخيل حالة أهل سمر... حالة لا تشبه الحالات، تمنوا لو أخذها الموت لكان أرحم... كان حكم القضاء بسجن العامل عشر سنوات مع الاشغال الشاقة، رغم مطالبة الناس والصحافة بشنق العامل المجرم... زوجة العامل، هربت من المدينة هي وأولادها وأقسمت بأنها لن تدع زوجها يعرف مكانها... وقالوا بأن الحارس انتحر بالسجن بقطعة زجاجة قطع شريان يده بعد أن رفض السجناء التعامل معه... لم يقبل واحد من أهله أو معارفه أن يستلم الجثة، فالقوها في محرقة النفايات... كبرت الطفلة ودخلت الجامعة، لكنها كانت أحيانا تستيقظ من نومها وهي تصرخ مذعورة من كابوس يسببه لها ذاك المجرم... في تلك الروضة المشؤومة. عندما تزوجت كانت تخاف من زوجها، مما جعل زوجها يعالجها عند طبيب الأمراض العصبية النفسية... كانت ترى في أحلامها ذاك السكين الذي كان الحارس يهددها به إن يذبحها هي وأمها إذا أخبرت أحداً بما يفعله معها. المعالجة جعلتها تتناسى آلامها، لكنها لم تنساها رزقها الله ذرية، كانت دائما مشوشة بشكل مرضي من غيابهم، وكم كانت توصي معلمات أولادها بهم... كانت دائما تردد لأصدقائها، انتبهوا لأولادكم جيدا... هم حياتنا التي وهبنا إياها ربنا... الكاتب: عبده داود آذار 2023

تعليقات

المشاركات الشائعة