الدلفين: بقلم محمد السر شرف الدين

قصة قصيرة الدولفين بوسط البحر الأحمر وداخل قاربهم المتواضع يتمايل الصيادون بإنسجام وحبور مع تغريد عثمان الشجّي، فهو عذب الصوت،بالإضافة لذلك فقد كان بهيّ الطلعة، طويل القامة، رقيق الحال، يتيم، وارف الخجل، بارع بالسباحة وغوص الأعماق لذا لقبوه باسم الدولفين، يؤلّف ويلحّن ويعزف بربابته العتيقة ازهى الأغنيات، منعه خجله الصارخ من اقتحام الوسط الفني، وكالعادة وبعد عودته برزق الكريم من اسماك الناجل، القشري، الشاعور وغيرها، قصد إحدى محلات شواء السمك بسوق السقالة، أثناء استلامه الأموال وقع بصره على فتاة فائقة الجمال لم يشاهد من قبل مثل حسنها، تتناول طعامها، تسمّر بمكانه كالمصقوع من هول المشهد إلى أن وخزه خجله الراسخ فخفض بصره، خطف المال وأدخله بجيبه المرقّع دون أن يتأكد من إكتماله ومضى بخطوات واسعة هروباً من ذلك الحلم الباذخ، إسترد أنفاسه خارج المحل وقبل أن يتحرّك إنتبه لصوت عذب يهتف : توقّف قليلاً، عندها توقّف قلبه قبل أرجله المرتجفة، إلتفت لمصدر الصوت فوجد أن حلمه صار على بُعد خطوتين منه، أدرك بسرعة فائقة أن هذا الجمال الأخّاذ ينتمى لكوكب آخر، أزياء تسابق آخر صيحات الموضة العالمية وعطر باريسي فخيم يبارز نسمات الفل ووشاح مخملي يربّت على فرعها الكستنائي الناعم، بلا مقدمات وبعفوية باسقة أخذت تناقشه عن انواع الأسماك وطرق الصيد وغيرها من مواضيع البحر، فقد أدركت أنه صياد، وهو يتلعثم ويتصبب عرقاً وترتجف أنامله، بلا مناسبة دعته لرحلة بحرية لإستكشاف جمال الشعب المرجانية، برغم العدد الكبير الذي حواه القارب السياحي لم يتحرك نظره عنها ولم يلتفت لأرضية القارب الزجاجية ومن تحتها طيف الشُعب الزاهية فقد هز وجدانه مداعبة إحدي خصلات شعرها لجبهته بسبب رياح البحر العاتية برغم حرصها على سترها تحت وشاحها، تكررت المقابلات وأنطلق لسانه بعد زمن وشهد البحر أنقى قصة غرام بين الدولفين وحورية البر، ذات مساء هرعت إليه باكية وأخبرته أن والدها يجهّز لزواجها من رجل أعمال شهير وقد رفض تماماً فكرة إرتباطها بصياد فقير، إلتمعت دمعات على خده تواسي دموعها السخينة، رضوا بقدرهم المحتوم وبنصب أعينهم العادات الموروثة وبر الوالدين، فافترقا وشعرا بأن حبهم العذري قد ابتلعته مياه البحر، بعد أسابيع وأثناء ترديده لأغنية حزينة تجسّد حبه الآفل، سمع صيحات تدل على سقوط شخص بالمياه، كل الصيادين هتفوا باسم الدولفين فقد كان أبرعهم في الغوص، وبلا تردد حلّق كالنسر وغاص بأعماق البحر وبعد فترة قصيرة أخرج الطفل بكلتا يديه وأخذه للساحل لإجراء الإسعافات الأولية، شكرته الأم بصوت باكي وحاول الوالد منحه مبلغ لكنه رفض بشدّة، ولكنهم أصروا بأن ياتي معهم لمنزلهم كي يشكره جدّ الطفل فهو حفيده المحبب، أثناء دخوله قصرهم المنيف إنبهر ولم يكن يتخيّل بأن تلك الأساطير موجودة بمدينته، ولم يخطر على باله بأن هذا القصر سيشهد زفافه من حبيبة عمره. محمد السر شرف الدين /السودان

تعليقات

المشاركات الشائعة