هرمونات البراءة: بقلم أو القاسم محمود

-----------------------قصة قصيرة ------------------------- هرمونات البراءة هذا الكائن الإجتماعي فقد أروع صفاته ، النوارس على البحر تحلق مجتمعة تنتظر زوارق الغائبين ، أسراب الطيور المهاجرة تغرد لحنا موحدا ، كلاب تحتضن جراءها وتمشي مجتمعة وحده ابن آدم ضاق ذرعا بأخيه ، المقاهي تصاحب كل طاولة منها كرسيا يتيما ، اكتفى كل شخص بشاشة هاتف .. حين عدت أدراجي لم تكلمني، منذ مدة طويلة صارت حواراتنا باردة ! نجتمع مرتين على مائدة الطعام فلا يبادر أحدنا الآخر بالسؤال إلا لماما ، نتحاشى النظرات في عيون بعضنا .. هل كان هذا الرباط غلطة ؟! تسع سنوات مرت هنيئة، متخمة بالمودة طافحة بالحب، لم أشعر يوما بهذا الفراغ، ما مرت علي هنيهة بهذا الجفاء، فقدت عيناها ذلك الإلتماع الجميل .. إلى الأمس القريب كانت مقبلة على الدنيا، متلهفة للحياة ، هاهي اليوم تبدو كليل فارقته النجوم، كزهرة برية أدركها الخريف فتساقطت بتلاتها تباعا .. أهذه سمية التي طالما أشرقت الشمس في خديها وتلألأت الأنوار في بياض ثغرها ؟! ماذا دهاها ؟ أسألها : ماذا حل بك يا بنت الأكرمين ؟ أنتظر الجواب دون جدوى، هل حلت بها لعنة أخرستها ؟! أسمع صرير حذائها يدنو من مجلسي فتولي مدبرة .. أحس كأنها ترغب في قول شيء فلا يطاوعها لا اللسان ولا البال.. صوت الأطفال قرب نافذتي يغتال عزلتي ، أسترق النظر في عيونها فإذا بها دامعة ! تخرج مسرعة ملبية نداء صبية اعتادت أن تلاعبها .. في عز عقدتها النفسية، وأمام رغبتها الجامحة في الولادة إبان السنوات الأولى من زواجنا لم أرها بهذا الشكل وبهذه التصرفات ! مللت بعد أن كنت مقبلا بشدة على نصائح جلاسي، عائلتي و زملاء العمل في كل لقاءاتنا على قلتها، لم أترك طبا بديلا ولا فقيها ولا طبيبا متخصصا، أما هي فقد كانت مؤمنة بقدرنا أكثر مني، كنت أشعر أن نظرات الناس تساؤلات تفتش في خصوبتي ، أشك أن كل حديث ثنائي مصحوب برؤية نحوي تشكيك في فحولتي! لكني سرعان ما تقبلت الأمر هروبا من جنون محتمل.. التحاليل المخبرية أكدت إصابتها بمتلازمة تكيس المبايض وسلامتي ، أي سلامة هذه التي لا طائل من ورائها ؟ تتقاطر في كل لقاء سحائب الوصفات لتذكر بالوجع ، بعضها بحسن نية وآخر إمعانا في فتح جرح كاد يلتئم ، تتبنى كل الهاربين والهاربات من بيوتهم وتجعل من البيت مخيما للاجئين من الأطفال، تجد ضالتها في الصغار، في الدباديب ، تحشد الدمع لبكائية كبرى كلما صادفت قطة ترضع صغارها .. أقعد وحدي على ربوة هذه المآسي متجرعا آهات الخذلان والألم ، وحدي وسط الصمت كطير مهيض الجناح، يتفنن الزمن في اغتصاب فرحتي بعنف متواثر .. لم يعد عش الزوجية هذا ملاذا للسكن، ٱنعدمت فيه ظروف العيش، كيف تتحمل شخصا لا يحتمل رؤيتك ؟! صرت زبونا للمقهى ، الحمد لله أنها ما تزال تقوم بتصبين ملابسي وإلا كنت أقسم راتبي بين المطعم والمصبنة.. زادت مؤخرا من وقاحتها، كلما فتحت لي باب البيت سدت أنفها بالإبهام والسبابة حتي أفارق عيناها ، بالأمس لمحتها وهي تحمل ملابسي مستعملة عود المكنسة حتى لا تلامسها بيديها ، الشيء الذي زاد من فتور مشاعري نحوها ففكرت بعد تريث طويل في أبغض الحلال.. - سمية. - نعم. - أبغضتك، وخفت أن أظلمك ، الإمساك بالمعروف لم يعد ممكنا بيننا وأرى أن نلتقي غدا بمكتب قاضي الأسرة ! - لم تنبس ببنت شفة ! أحسست أني أقدمت على قرار كبير دون مشورة ، قررت في جنح الظلام الذهاب لبيت عمتي لإخبارها .. أصرت بعد سماع قراري على معرفة الأسباب ، وكلما ذكرت لها سببا ضحكت طويلا ، حين أكملت قالت لي : أتدري أيها المخبول ، زوجك حامل . - أبوالقاسم محمود / المغرب

تعليقات

المشاركات الشائعة