العائد 9: بقلم تيسيرمغاصبه

 قصة متسلسلة

   "العائد"

      -٩-


نهض عدنان بعد أن أخذ قسطه من الراحة وتابع طريقه .

رأى واحة ..إقترب منها..شرب وملأ قربته،تلفت حوله متفقدا المكان ومابين  أشجار النخيل ،

لم يقنع بذلك فأخذ يتجول حول البحيرة حتى تأكد من أنه لايوجد أحد .

نزع كفنه وقفز في الماء وأخذ يغسل جروحه،

في تلك اللحظة تخيل وردة ثانية  تقف أمامه في البحيرة وتساعده في غسل جروحه.

قال بحسرة :


"ليتك تحضري إلي الأن لتنهي بوجودك غربتي القاسية؟"


 صوت أمرأة من ورائه قالت موبخة :


-كان عليك أن تطلب الإذن أولا قبل أن تشرب وتملأ قربتك من بحيرتي، بل وتتمادى أكثر وتغطس بها؟


إلتفت إلى مصدر الصوت فرأى أمامه فتاة حسناء جمالها لايوصف ،لقد كانت على قدر كبير من الجمال ، كان جمال من نوع جديد ،لم يرى له مثيل،

قال في نفسه "ماهذا الحسن والجمال والسحر الذي أراه ..بلا شك أنها ملكة هبطت من السماء؟"


تأمل عيناها الواسعتان ،الزرقاوتان ،وشعرها الأصفر الطويل والذي يكاد أن يلامس الأرض ؛فكان يتماوج مع النسمات  كموج البحر ، كانت ترتدي ثوبا أحاكه لها

حائك بارع،

رائحتها الإنثوية المنبعثة كعبق الأزهار ،ساقيها نحتتا بيد أعظم نحات ،

لقد كانت حقا  لوحة رسمت بريشة فنان.

لم يجب على سؤالها لأنه كان لايزال مفتون بها،بل كان أمام حضرة جمال يعجز المرء أمامه عن الكلام،قالت بغضب :


-هل أنت أبكم ،أم لعلك أصم؟


-أنا..أعتذر ياسيدتي فلم أكن أعلم أن  هذا المكان يخصك .


-تعتذر ..جميل هذا الكلام البخس ،وبماذا يفيدني هذا الكلام؟


-لم يحدث شيء ياسيدتي ،سأخرج من البحيرة الأن.


-وهل تعتقد أن مجرد خروجك من البحيرة يكفي ،أنت سارق ، متطفل، مقتحم مكان ليس لك؟


-المعذرة ..لم أكن أعلم، لكن منذ متى وأنت تمتلكين هذا المكان ،وكيف تعيشين وحدك هنا في الصحراء.


-هههههه وحدي ..عموما أنا هنا منذ خلقت؟


-أنا أرى كونك صغيرة في العمر فمن غير المعقول أن أصدق هذا الكلام.


-حسنا..وعندما أخبرك بأني قد ورثته عن أبي وأبي ورثه عن جدي ،وهكذا هل تصدقني؟


-حقا شيء غريب هذا ،أنا أعلم أن أي واحة على الأرض هي من حق كل عابر سبيل.


-يبدو أنك لاتعلم شيئا ،أريد أن أسألك سؤال ؟


-تفضلي سيدتي الجميلة. 


-كم مضى على عودتك ؟


أيام قليلة.


-ومن أين لك أن تعلم بأن الواحة هي لكل عابر سبيل ؟


-لكني كنت حيا قبل ذلك ..و لم تكن الأرض هكذا حينها،لقد كانت عبارة عن مدن وحضارات متطورة وناطحات سحاب .


-حسنا سأخبرك بأن مدينتي هنا وأن تلك الواحة تقع من ضمن حدود حديقتي؟


تلفت عدنان حوله ،لكنه لم يرى أي شيء فقال بدهشة :


-لكني لاأرى أي شيء مم ذكرت.


-بكل تأكيد ، أنت لاترى مدينتي لأنك من البشر؟


-من البشر، وأنت ألست من البشر.


-لا ،أنا من الجن.


-أنت  جنية هههههه وتطلبين مني أن أصدق هذا الكلام.


-وما الشيء الذي يمنعك من  تصديقه؟


-لأننا نحن البشرلايمكن أن نرى عالم الجن.


-يمكنكم رؤية عالمنا  عندما نريد نحن  ذلك؟


-حسنا أين الدليل.


-أنظر حولك وتأمل جيدا لأن ذلك لن يدم طويلا ، فقط لثوان معدودة. 


-موافق .


نظر عدنان حوله فوجد نفسه في حديقة غناء ،تلفت  فرأى ورائه قصر لم ترى أعينه مثيل له ،بل وإنتشرت مبان لم يرى شبيها لها طوال حياته،لقد كان عمران مبهر يسر الناظر ،وظهرت الغابات والحدائق والطيور العجيبة التي تسحر الناظر ،

والنساء والأطفال والفتيان يتجولون فكان جمال وجوههم لا يوصف أبدا.

فيما كان عدنان وسط ذهوله قالت له :


-مارأيك الأن ؟


-شيء مدهش حقا ،لقد صدقتك الأن  ياسيدتي الجميلة،والأن أعتذر ثانية .


بعد أن إختفى كل شيء ،قال عدنان :


-والأن ياسيدتي هلا إستدرت حالما أخرج من الماء وأقوم بإرتداء كفني ؟


-هذا ممكن .


إستدارت الجنية ،بينما خرج عدنان وإرتدى كفنه ثم قال:


-أشكرك ياسيدي ،أما بشأن اعتذاري الذي لايساوي شيء بالنسبة لك ،أقول لك بخيبة أمل بأني لاأمتلك أي شيء لأقدمه لك مقابل تجاوزي هذا؟


-لكني أرى أن بأمكانك دفع ثمن إقتحامك لحديقتي ونزولك إلى بحيرتي ؟


-هذا جيد ،أنا مستعد لأي شيء تطلبينه مني ياسيدتي؟


-أن تتزوجني ونعيش معا في مدينتي الجميلة.


-بلا شك كل رجل يتمنى أن تكوني له زوجة ،ومن يرانا معا سيحسدني لمجرد وقوفي معك ،لكن ؟


-لكن ما الذي يمنع.


-لكن أنا لي حبيبة رحلت عن دنيانا ولم تعد كما عدت أنا ،وأنا قد عاهدت نفسي على أن أبقى مخلص لها؟


-ههههههه لقد عرفتك ،أنت عدنان. 


-وكيف عرفتني ؟


-نحن نعرف أخبار البشر لأننا نعيش معهم ،أنت عدت بعد الزلزال الشامل الذي ضرب الكرة الأرضية بأكملها.


-زلزال ؟


-نعم ،لقد دمر الزلزال العالم بأكمله وظهر فيما بعد وبالتدريج بشر غيرهم ، لكن أغلبهم عائدون.


-إذن هو الزلزال، الأن فهمت؟


-أما بالنسبة لوردة فهي لم تحبك أبدا .


-لاأصدق هذا الهراء؟


-أنت إنسان عجيب حقا،تصدق  كل ماقلت  وترفض تصديق أن وردة لم تكن تحبك، حسنا لنتفق إذن إتفاق أخر.


-أوافق ؟


-بعد أن تغادرني إن إكتشفت أن وردة بالفعل لم تكن تحبك ،أن  تعود إلي وتتزوجني ؟


-نعم أوافق.


-هل أعتبر  ذلك عهد بيننا؟


-نعم وأنا أعاهدك كعهدي لحبيبتي وردة التي لم أحب غيرها في حياتي.


-إذن إتفقنا وبإمكانك الرحيل الأن؟


ثم إختفت الجنية من أمامه.

تلفت حوله ..ثم قال بشك :


"لايمكن.. أن وردة تحبني كما أحبها ..وقد ماتت من شدة شوقها إلي ؟"

ثم تابع طريقه بعد أن أخذ  الشك يتسلل إلى قلبه بشأن وردة، ولأول مرة منذ عودته وأخذ هذا الشك يقلقه. 


(يتبع...)

تيسيرمغاصبه 

٢٩-١-٢٠٢٣


تعليقات

المشاركات الشائعة