المستنقع: بقلم تيسير مغاصبه


 "المستنقع "

قصة مسلسلة

بقلم:

تيسيرمغاصبه 


-١١-

"الحب"


بعد انتهاء فترة العمل النهارية ،توجه كمال إلى غرفته وقد نال منه التعب، إستلقى على سريره ..إستطاع أن يغفو بالرغم من اصوات الطلاب  وهم يلعبون الكرة ويصرخون ويشتمون بعضهم.

وقد إمتد نومه إلى ثلاث ساعات متواصلة،

أفاق بعدها على صوت إرتطام الكرة المزعج بباب غرفته، بعد أن خلت الساحة من الطلبة وغير الطلبة،دخل إلى الحمام ..إغتسل وجلس على مقعده يشرب كوب النسكافيه. 

يرتفع صوت رنين هاتفه..يخرجه من جيب سرواله ..يرى إسمها من جديد "أميمة" قد يكون ذلك الأسم جميل في الواقع لكنه بالنسبة له لم يكن كذلك لأنه أسم تلك المرأة القبيحة.

كتم صوت الرنين ..أخذ يفكر ماذا يمكنه أن يفعل بصدد هذا الأمر ،

يكتمل الرنين دون أن يرد ..لحظات وتصله رسالة منها ..يفتح الرسالة بتردد ..يقرأها،وجاء بها"سأنتظرك في صباح يوم الجمعة ،أنا أعلم أنك شابا عاقلا ولن تتأخر علي حتى لا تتحمل النتائج ...سأنتظرك "

كانت تلك الرسالة كفيلة بتغيير مزاجه كليا ..وتذكر نفسه أيام عمله في التنقيب عن الآثار ، وهدايته  وقلبه الذي كان حينها معلق بالمساجد وحاله اليوم وما يعيشه من ضلالة ،ومافعله في الليلة الماضية وبأرادته، فشعر هذه المرة بل تأكد بأن مافعله هو ليس قوة ،بل كان منتهى الضعف.

في مساء ذلك اليوم يحضر زميله نهاد ..يجلسان معا ..يتحدثان قليلا ثم يتوجهان معا إلى البوابة ..يفتحانها ومن ثم يغلقانها خلفهما بالقفل من الداخل ويتجهان إلى الطابق الثاني حيث الكلدور المطل على غرف النوم في البيوت المجاورة.

كان كمال منقادا إلى ذلك دون تفكير ،وكان يشعر بأنه لايريد فعل ذلك ..لكنه لايعلم  ماهو الشيء الذي يدفعه إلى إرتكاب تلك المعاصي..لايعلم ،هل هو الغضب،أم هو حبا في الإنتقام من الجميع ..أم هو تعبير وتنفيس عن الضعف الذي بداخله..أم هو  فقط معاندته للأقدار..لايعلم.

في مدة قصيرة  إستطاع  حفظ صور جميع أجساد النساء والفتيات في مختلف الأعمار، ورأى كل علامة فارقة باجسادهن..كل علامة جمال ،وكل علامة قبح.

كان يمر مع نهاد من الغرفة الأولى إلى آخر غرفة ،فيشعر بالدهشة عندما يرى أشخاصا يعرفهم وقد رآهم في الفترة الصباحية يسيرون بفخر، وكبر ،وتعال ؛وهم الآن في منتهى الذل،والمهانة، عبيدا لشهواتهم وإدمانهم. 

بعد مغادرة زميله نهاد جلس وحده في الظلام كعادته، لحظات وكان باتريك يقف على باب غرفته كالعادة، إنشرح صدر كمال لمجرد رؤيته وشعر بلهفة في ضمه إلى صدره ..في الحقيقة أن مشاعره المشتتة لم تستطع تفسير ذلك الشعور، وسأله :


-باتريك ..مابك ياعزيزي؟


حاول باتريك منع دموعه من الانهمار لكنه لم يستطع فانهمرت دموعه غزيرة..جرى إلى كمال ليرتمي بين أحضانه ويغرق بها من جديد ويضمه كمال بدوره ..يضمه بقوة ويمسح شعره الغزير.


*    *    *    *    *     *    *    *    *    *    *


كان ذلك اليوم مشحون بالتوتر والإرهاق والأرق ،ففكر كمال حينها بإنهاء حياته ،لكنه  أعتبر التردد في وضع حدا لحياته هو أيضا تأكيدا على ضعفه .

وصل عادل سعيدا.. إقترب من كمال وهو يرقص  رقصة راقية كما في الأفلام..شعر كمال بالارتياح..تابع عادل رقصته حتى وصل إلى كمال وإحتضنه وأخذ يلثم وجهة بالقبلات، 

قال كمال :


-أين أنت ياصديقي ..عندما أكون بحاجة إليك لاأجدك ؟


-لاعليك ياصديقي فأنا أحضر فقط عندما تكون بالفعل بحاجة إلي . 


-نسيت أن تعطني رقم موبايلك؟


-في الواقع ليس لدي موبايل.


-مستحيل.. من لايحمل   موبايل في هذا الزمن ..وخصوصا من كان بعمرك وذكاءك؟


-هههههههه أنا فقط لايلزمني الموبايل.


-لماذا؟


-لأسباب خاصة.


-أن أميمة تتصل بي بأستمرار..بل وتهددني أيضا؟


-إذهب إليها.


-لكن ؟


-إذهب إليها ياكمال.


بعد ساعة من تبادل أطراف الحديث، نهض عادل ليغادر، لكن قبل أن يصل إلى الباب استدار ثانية إلى كمال بطريقة تمثيلية وابتسم بخبث وقال:


-أن باتريك جميل جدا؟


تفاجأ كمال كما وأنه  تلقى صفعة من صديق عزيز وقال

متلعثما:


- م..ماذا تقصد بقولك هذا؟


-هههههههه لا أقصد شيئا.


-أن باتريك ..طفل يتعرض للعنف الأسري..و..


قال عادل مقاطعا:


-أعلم ..أعلم ههههههههه.


-وهو يرتح عند رؤيتي.. وعندما احدثه ؟


-تمام.


-..............


-عموما ماتفعله  ياصديقي شيئا جميلا ههههههه إلى اللقاء.


*    *    *    *     *     *     *    *     *    *     *


بقي كمال جالسا على مقعده بعد أن جافاه النوم ..

رفع آذان الفجر ..ماأن سمع كمال النداء حتى إنكمش على نفسه وبدأ يرتعش ،وكان يردد "ماذا أصابني..ماذا ..أصابني .."

لكنه وبالرغم من ذلك لم ينهض ليصلي فبقي جالسا حتى الصباح، فغادر إلى شقته ليمضي إستراحته بعد دوام أربعة وعشرون ساعة في النظام التعسفي الجديد.

لم يتبع نصيحة عادل هذه المرة فلم يذهب إلى أميمة، كذلك لم يرد على إتصالاتها ولم يقرأ رسائلها.

كان كمال أيضا قد شعر شعورا غريبا من تجربته مع فتاة الليل الصغيرة ،الجميلة. 

فهو لايستطيع أن يكذب أحاسيسه،لقد شعر أن قلبه لازال ينبض ..لقد أحبها..كيف لاينبض وهي كانت التجربة العاطفية الأولى في حياته؛وفي مصطلح العفة بعد أن فضت أميمة تلك المرأة الشبقة بكارته ،وذلك خير تشبيه في كلام صديقه عادل.

تمنى أن يلتقي بتلك الفتاة ثانية ليبوح لها بلواعج قلبه حتى لو سخرت منه.

أيضا وليقال عنه مايقال فيكفيه أنه صادقا مع نفسه وهذا الأهم في الأمر.

لم يكن يرغب في تناول إفطاره ،إستعد لدخول الحمام للاغتسال..إرتفع رنين هاتفه من جديد..لم يكن يريد الرد لولا أنه رأى أسما آخر على شاشته "منى".

خفق قلبه بشدة ..لايعلم لماذا ،لكنه رفع هاتفه ..فتح الخط ..إنبعث الصوت الرقيق كالهمس:


-ألو.....؟


-ألو ...نعم.


-ك ..كمال؟


-نعم ..عفوامن أنت.


-إعتقدت بأنك ستعرفني بمجرد سماعك لصوتي ؟


-أ...أنا.. أعتذر .


في الواقع أن قلبه علم على الفور من هي ،لكن هذا هو تفكير الإنسان الذي يمتاز ببعض الصطحية ككمال، ولايمكن أن يتغير،قال بلهفة:


-عرفتك ..أنت..


-نعم.


-أنا..أتمنى أن أراك؟


-لماذا....هل أحببت جسدي!!


-أرجو ألا يذهب تفكيرك بعيدا ...أنا...


قالت مقاطعة:


-انا أفهمك جيدا ياكمال ..وأعلم أنك لاتقصد ذلك..أنا أبادلك نفس المشاعر؟


عجز كمال عن الكلام فأكتفى بالصمت فيما تابعت منى حديثها :


-أنا أعرف بأنك لن تصدقني ..ل..لأني فتاة ليل ..لكني سأقول لك الكلام المكرر الذي يقال في الروايات والأفلام ..ولك الحق في أن تصدقني أو لاتصدقني..

وحتى أن تقفل هاتفك قبل أن أتابع حديثي ،وحينها سأختفي.. أعدك بأن أختفي من حياتك إلى الأبد؟


-..................


-عندما رأيتك شابا وسيما كدت أن أقع في حبك ..لكني قاومت تلك الرغبة من السيطرة علي ،فقررت أن أنتقم منك كغيرك من الشباب ..لكني عندما قضيت معك لحظات عدلت عن ذلك بالرغم من استطاعتي ذلك،

كمال ..أن  مادفعني  إلى طريق الظلمات هو تعرضي للاغتصاب وأنا في بداية بلوغي عندما كنت أعتقد أن جميع الشباب كأبطال الروايات الرومنسية ..فكانت الحقيقة صادمة..كانت غير ذلك ،فبعد ذلك قررت الإنتقام من جميع الشباب مستغلة جمالي ونفوذي معا،بأن أقضي لحظات بين أحضان  شابا وسيما أختاره أنا ..أختاره شابا في بداية  حياته ،ومن ثم اشكوه وأدعي عليه بأنه إغتصبني.

حتى إلتقيتك..أنت أطلقت  إنوثتي من أسرها..لم تكن أنفاسك وقبلاتك ونبضات قلبك يوحيان بأنك شابا باحثا عن لذة عابرة ،أنا ياعزيزي أنثى والأنثى لاتستطيع تكذيب أحاسيسها..فمنذ أن عرفتك أعدتني إلى البداية،لقد بدلت تلك الليلة حياتي وقلبتها رأسا على عقب ، كنت قبل ذلك فتاة مراهقة تنظر إلى الحياة نظرة وردية..متأثرة بالروايات ..و..الحب،وحكايا العشاق ،منذ تلك الليلة إمتنعت عن منح جسدي لأي رجل لأعيش على حبك ..حبي الأول..حتى لو رفضت حبي ؟


صمتت لتسمح لدموعها بالانهمار قال كمال:


-منى.


-ماأجمل نطقك لأسمي..أسمي الذي طالما كنت ناقمة عليه ؟


-أنا صدقا أبادلك نفس الشعور منذ تلك الليلة التي نفذت بها رغبتك ..لكني كنت في قرأرة نفسي أتمنى حينها لو إنا إلتقينا في ظروف أخرى لاضمك إلى صدري ونحلق معا في السماء النقية، بعيدا عن شهوات الجسد الفاني ؟


-.................


-ليتني عرفت عادل قبل ذلك ليهدني إليك ...


قالت مقاطعة :


-من هذا عادل؟


-ذلك الفتى..صديقي ألا تعرفينه .


ردت بأستغراب :


-لا ..لاأعرف أحدا بهذا الأسم ؟


-هو الذي حدثني عنك .


-أنا لاأعلم أي شيئا عنه.


-غير مهم ..غير مهم ،دعك من هذا ..متى سنلتقي ..فأن لدي خبرا سارا يخصنا معا.


-حقا..لنلتقي اليوم في المتنزه القريب في الساعة الثامنة مساء. 


-حسنا وهو كذلك ؟


-إلى اللقاء .


-إلى اللقاء؟


(يتبع...)

تيسيرمغاصبه 

٣-١٢-٢٠٢٢

تعليقات

المشاركات الشائعة