لهاية: بقلم رعد الإمارة

 قصة   (لهاية)


كان قد مضى وقت طويل منذ أن اختليتُ بها آخر مرّة! لم يكن من طبيعتي إحصاء ذلك على أية حال. كان المخلوق الضئيل قد بدأ مبكراً لعبته السخيفة، أخذ يرفس في بادئ الأمر، ثم ما لبثَ أن افتتح ليلة خميسنا هذه بسمفونية صراخه المعتاد، كنت أتميّزُ غيظاً وأنا اذرع صالة الإستقبال جيئة وذهاباً، أشارتْ برأسها جانباً، تَتبّعتُ نظرة عينيها شبه الناعستين، وقع بصري على اللهّاية الملقاة أرضاً، هَمستْ من بين أسنانها :

_هل لكَ أن تشطفها بقليل من الماء؟ أظنها اتسختْ. قَطبتُ جبيني ورَمشتُ بلا مبالاة، اختطفتُ اللهّاية ذات اللون الوردي، مشيتُ بخطواتٍ سريعة صوب المطبخ، فَتحتُ صنبور الماء ورحت أدعكها بقوة وأنا العن يوم خميسنا البائس هذا. كان صراخ غريمي الضئيل في حجرها مازال يتردّد في رأسي حين مَددتُ يدي باللهّاية، حَدّقتْ في وجهي العابس وابتسمَ كرنفال الألوان في وجهها، تَنهدّتْ وهي تدسُّ اللهّاية في الفم الصغير المفتوح على آخره، رحت اتأملهما معاً، هَمستُ لنفسي وقد اطربتني لحظة السكون المفاجئ :

_يارب. لدهشتي لم يدم الصمت سوى لحظات، لفظ الرضيع الغاضب ذو الفم الادرد اللهّاية بحركة من فمه، قذفها أرضاً ثم عاد لتكرار ذات اللحن البغيض الشبيه بصفّارات الإنذار. سَقطتْ ذراعي إلى جانبي، أدركتُ بأن النحس لابد سيلازمني هذه الليلة، حدّقتُ في المرأة الفاتنة بغضب، التقطت اللهّاية وجَررتُ نفسي صوب غرفة نومنا المشتركة. لم أكن أعرف كم من الوقت مضى وأنا غارق في نومي، َشعرتُ بأن ثمة يد راحتْ تداعب كتفي وتهزّه، فتحتُ عينيّ وأخذتُ اتململ، التفتُ وأنا مقطب الجبين، طالعني وجهها الضاحك، هَمستْ لي ونظراتها تتوهج :

_لقد نام أخيراً. أخذتُ أحدّق فيها بعيون نصف مغمضة، كان النعاس يشدّني شداً، وكان ثمة شيء غريب جعلها بالكاد تكتم ضحكتها، آه، تذكرتُ الآن، مَدّتْ اصابعها وحاولت جذب اللهّاية ، نَظرتُ لها بغضب أرعبها وجعل اصابعها تنكمش، أدرتُ ظهري للمرأة بتصميم كبير، ثم غَرقتُ في النوم واللهاّية في فمي!. (تمت)


بقلم /رعد الإمارة /العراق /بغداد


تعليقات

المشاركات الشائعة