الرسالة الثالثة من رسائل الرماد: بقلم رافع الفرطوسي

 الرسالة الثالثة من رسائل الرماد 


إرتقاء عكسي


لست بغيضا للحد الذي تظنه،  ولكنني أعاهدك بأنني سأبذل كل ما بوسعي لأكون كما تظن .

سأعمل جاهدا على تغيير الصورة ، وصناعة وجها يلائم نظرتك و أشكل كيانا  تتمكن عيناك من استيعابه  . سأكون شيئا آخر تريده انت وقد كتت ارفضه انا ! 


ها قد بدأت بأولى الخطوات نحو سلام خارجي وإن كان ثمنه توتر داخلي ! فلقد شرعت بتلويث النقاء ، ولن أتوقف حتى تطلب انت ، اختلطت الألوان في وجهي وتوحد لون جسدي ، اقتربت من أن اكون شبيها بلا شيء ، اقتربت من الاغلبية  بمستوى البعد عن اقلية ملتزمة بالعبث الذي كنا نسميه التزام إنساني. 


الجميل أن هذا الطريق متاح دون اعتراض ، على جانبيه يحتشد المشجعون،  و إن بلوغ شريط نهايته سهل المنال على ان كل سالكيه فائزين دون ترتيب ، ذلك لأن الانحدار متشابه رغم اختلاف طريقة الهبوط ! 


اولئك الذين انبطحوا قبل صافرة الانطلاق يتسافلون جيدا وبسرعة فائقة ، أستشعر السعادة التي بذواتهم من خلال الابتسامات التي قايضوها مقابل كل اوجاعهم التي خلعوها دفعة واحدة في غرفة تسجيل المشاركين ، وقد وقعوا جميعا على عقد الرحيل الى اللاشيء دونما عودة ، و فضلوا إعطاء اجازة زمنية للاقدام التي سارت عقودا لإرضاء الغرور واشباع البطون ، اليوم حان وقت رد الدين ، فلتشبع البطون زحفا ولتجري الصدور عمليات فتح إرادي واقتحام للأقفاص التي احتوت ادأشياء لم تمكنهم من الحصول على ضحكة فائضة من انقاض السعداء الازليين ، او لحظة شغف قد قفزت من سلال المنتشين الأبديين ! 


جماعة أخرى،  قرروا الذهاب بقفزة عكسية واحدة آملين بالوصول قبل غيرهم ، امتدت الأيدي الى الامام وانحنت الأجساد و انطلقت الاقدام كنوابض رشاشات حديثة الصنع، أراهم يهوون كرصاصات تعرف الهدف جيدا رغم انهم بلا اهداف، لكنهم لم يسبقوا الزاحفين - سواء اكانوا على البطون او على الظهور ! 


أشاهد كل هذا  و أدونه رغم انني في وضع هبوط لا اضطراري ، أكتب إليك رسائلي  لتطمئن بأنني ذاهب نحو ما تريد ، اتعايش مع الواقع ، أساير العولمة و اخضع لقانونها برحابة صدر لم يمزقه الزحف ولن يتخلى القفص عن أشيائه القديمة ، غير انني أعد بأن أخفيها ما حييت ، عن الجميع و عنك و عني . 


بين الحين والآخر هناك صوت في الأفق يزودنا بالأرقام و التفاصيل ، وبعد كل اشعار واعلان نشعر بارتفاع مناسيب التفاهة واللامبالاة ، فنتأكد بأننا في الاتجاه الصحيح وأننا اقتربنا أكثر. 


اقتربت أكثر من ان أصبح بغيضا للحد الذي يرضيك ، أنفض الزوائد التي لم تكن تشعرك بالأمان معي بعد ان  علقت في ذهني لسنين،  سآخذ صورا تذكارية لمشهد انبعاثها وهي تنطلق من كل أجزاء جسدي كشظايا تتناثر في الفضاء تاركة الأهداف آمنة . 


آخر الأصوات كان قد صدر قبل دقائق ليهنئنا بسلامة الوصول ، ويبارك اختيارنا الرحلة والتحاقنا بقافلة السعداء الآمنين - الأحياء بلا هدف بعد ان كنا أهدافا حقيقية يتم التسديد عليها من كل الاتجاهات .


رافع الفرطوسي 

من مكان ما - 2022


تعليقات

المشاركات الشائعة