عن الأزرق المخادع: بقلم رعد محمد المخلف

 قصة قصيرة ( عن الأزرق المخادع)


حبيبتي فوفو

تعرّفتُ على فتاة رائعة الجمال من  العالم الافتراضي الـ( فيسبوك )، كانت قد وضعتْ صورة لها ذهبتْ بعقلي، واحتلتْ مساحات قلبي كلها، على الرغم من أن الصورة كانت مستعارة لفتاة ما، لكنني تخيّلتها أنها صورة حبيبتي فوفو الحقيقية. 


 خمس سنوات مرّت وأنا متيّم بها، لم أرها مرّة واحدة خلالها، لخوفها تارة، ومن خجلها مني تارة أخرى.

 كنتُ استيقظ في كلّ صباح وكليّ نشاط؛ فأغسل وجهي وأحتسي قهوتي وأضع الرِّجلَ على الرِّجلِ واتصل بشبكة الإنترنت، لألقيَ على (فوفو) تحية الصباح، ثم أذهب الى العمل سعيدًا باسمًا، لا ترى عينيّ سواها ولو مرّت من أمامي الممثلة (بروك شيلدس).

 

وفي ذات ليلة لا بَدْرَ في سمائها، دخلتُ الشبكة الإلكترونية كعادتنا أنا وفوفو، بعد منتصف الليل، لنتجاذب أطراف الحديث عن حبّنا الأبدي، وفتحتُ صفحتها؛ فوجدتُها متصلة؛طار قلبي فرحًا برؤيتها، وكتبتُ لها جملة كنا قد اعتدنا عليها، مثّلتْ لنا شيفرتنا الخاصة لبداية سهرتنا الغزلية كلّ ليلة، لكنها لم تكُ تجيب رغم استمرار اتصالها بالشبكة. مرّت الدقائق عليّ كأنها دهر، وأخيرًا جاءني الرد :

ـ أريد أن اعترف لك بشيء أخفيته عنك لسنين ...!

قلتُ لنفسي، لعلّها ستخبرني بأنها مشوّهة أو معاقة أو حتى مُقعَدة، وليتها كانت كذلك .!!

قالت : 

ـ أنا لستُ فتاة، بل أنا شاب أحَبَّ أن يمازحك طيلة تلك السنوات التي مرّت ونحن معًا، واسمي الحقيقي هو فخري حاج مصطفى. طارتْ صورة فوفو ذات العيون الحوراء واستُبْدِلَتْ بصورة شاب افطس الأنف، أسود البشرة، لعلّه من بقية سلالة (كونتا كينتي) من مسلسل الجذور الأفريقي. 

أغلقت الاتصال فورًا، وجلستُ أبكي فوفو، عفوًا فخري كونتا كينتي، الذي ضحك عليّ طيلة تلك السنوات؛ ومن شدّة القهر نمتُ على الكرسي الذي كنت أجلس عليه. 


استفقتُ في الصباح وبطريقة آلية ذهبتُ إلى الحمام لأغسل وجهي، نظرتُ إلى المرآة فلم أجد انعكاس وجهي فيها، بل وجدتُ وجه حمار يبتسم لي، مسحتُ الزجاج علّي أزيل ما ارتسم عليه، إلا أن صورة الحمار بقيتْ ملتصقة عليه، بل وكان الحمار بين الفينة والأخرى يظهر ليَ أسنانه الطويلة ويمطّ شفتيه مُقَبِّلاْ إياي بطريقة جعلتني أفقد صوابي وأحطّم المرآة، لم أترك مرآة في المنزل إلّا ولاقتْ ذاتَ المصير؛ وحتى وأنا سائر في طريقي إلى وظيفتي، كنتُ أتحاشى النظرَ إلى زجاج المَحال التجارية، لأن الحمار كان يظهر لي فجأة وهو يسير بدلًا من خيالي المنعكس عليها، ولذلك قرّرتُ بشكل قطعيّ عدم النظر إليها.


مرّت أيام وأنا أفكر بفوفو، بالفعل اشتقتُ لها، على الرغم من أنني أعرف أنْ لا وجود لها، بل فخري حاج كونتا كينتي هو من حلّ مكانها، بيدَ أنّني قرّرت بحزم الدخول إلى شبكة التواصل الاجتماعي في منتصف الليل كعادتنا لسنين أنا وفوفو المُحِبَة، المُتَفَهِّمَة، المُؤدّبة، ذات العيون السوداء الفاحمة. 


نعم ها هو فخري متصل وينتظر، لكن مَنْ ينتظر ؟!، هل من المعقول أنه ينتظرني أم أنه يترصّد ضحية أخرى...؟!! 

كتبتُ عبارتنا التي اعتدنا أن نكتبها لبعضنا أنا وفوفو، ضحك فخري وقال:  ماذا تريد ؟ 

قلتُ : أريد لقاءك……!! 

ومنذ ذلك الحين؛ أنا أزوره كلّ أسبوع مرّة وأخلو به، خاصة في أيام الخميس، وأضعُ وردة على ضريح فوفو حاج كونتا كينتي، وها أنذا أكتبُ لكم قصتي مع حبيبتي فوفو، وأنا في يوميَ الأول بعد خروجي من السجن…   


                                  ✍️ انتهت


@ ر.م.المخلف ـ سوريا 

15.7.2019


تعليقات

المشاركات الشائعة