حب مكتوم: بقلم رعد محمد المخلف

 قصة قصيرة

**********

حبٌّ مكتوم


** الصف التاسع

وقَفَتْ تنتظرني، والعبوسُ يحتلُّ مساحة وجهها، لم أكنْ أعلمُ ما خطبُها، لكنني آثرتُ أنْ أتريّثَ قليلًا بوقوفي وراء الشجرة، لأمتّعَ ناظريّ بجمالها الرائع الطفولي، هي أصغر مني بعشر سنين، لكن الفارق هذا لم يكنْ ليلعبَ دورًا كبيرًا في علاقتنا.  اقتربتُ منها، ركضتْ نحوي وقبلتْني على خدّي، وحين سألتُها عن سبب عبوسِها، مطَّتْ شفتيها، وأخبرتني عن عجزِها وضعفِها في مادة الرياضات. جلسنا في الحديقة وشرحتُ لها الدَّرسَ، وحللتُ لها المسائلَ وأتممتُ لها كلّ واجباتها، شكرتْني ثم قبّلتْني على خدّي، وهي تردّدُ عبارة أنني أفضل صديق لها في كلِّ الدنيا، ذهبتْ ورحتُ أرقبُها، وحرقةُ قلبي زادتْ بابتعادها ، وفشلي في الإفصاح لها عن حبّي…  نعم أنا أحبُّها.. 


** الصف العاشر 

اتصلتْ بي وهي تبكي بمرار شديد، وطلبتْ منّي أنْ آتي للقائها، فعلتُ كما أمرتْني؛ وحين وصلتُ إلى الحديقة المجاورة لمنزلهم، ركضتْ واحتضنتْني وقبّلتني على خدّي، ودعتْني للدخول إلى بيتِها، فأهلها في زيارة قد تطول إلى ما بعد منتصف اللّيل، جلستُ بقربِها، وسألتُها عمّا أبكاها، فشرحَتْ لي السّبب، وهو هجرانُ ابن الجيران لها للأبد، مسحتُ على رأسِها المسنود إلى صدري، وهَدْهَدتُ على كتفِها، وأقنعتُها أنّ الحياة لا تزال أمامها، وستجدُ شابًا يحبُّها بصدقٍ أكثر من ابن الجيران ذاك.  أطَلْتُ المكوثَ معها حتى اقتنعتْ بما أقول، شربنا الشاي، وشاهدنا عرضًا مسرحيًّا في التلفاز، وحين هَمَمْتُ بالمغادرة، قبَّلتْني على خدّي وأكَّدتْ لي أنّني أفضل صديق لها في كلّ الدنيا، وأنا فشلتُ كعادتي في مصارحتِها بحبّي… ..نعم أنا أحبُّها… !!


** بعد مرور عامين

كنتُ أقفُ بين الحضورِ أمتّع ناظري بجمال العروس التي بدتْ كوردة الياسمين اليانعة، ترفلُ بجمالٍ حباها اللهُ به، وحرمَ نساءَ الكونِ منه.  إنّه عرسُها وها هي تسير نحو المذبح، متأبطة ذراع العريس السعيد، تنحيتُ جانبًا، وقصدتُ دورة المياه، وفجأة ظهرتْ أمامي، طوَّقتْني من رقبتي، ولثمَتْني على خدّي، وهمستْ لي عبارتها " أنت أفضل صديق لي في كلّ الدنيا " ؛ ومضتَ مسرعة لتنضم إلى حفلة مماتي....  أنا أحبُّها، وفشلتُ في مصارحتِها للمرّة الألف..  لأنني كنتُ أخشى فقدانَها لو بحتُ لها بحبّي..!!


** بعد مرور الكثير من السنوات


ها أنا أقفُ على قبرِها، وطاقة الورد في يدي  تبكي كما أبكي، لكن الفارق هذه المرّة كان بدون قُبلَتِها على خدّي؛ فجلستُ بالقربِ من ترابها، أقَلِّبُ دفترَ يوميّاتها الذي أعطتْني إيّاه صديقتُها،بطلبٍ منها قَبلَ وفاتها؛ فقرأتُ فيه: 

اليوم ساعدني في إنجاز واجبي المدرسي، فرحتُ بلقائه كثيرًا، وهو أفضل صديق لي في كلّ الدنيا، وفشلتُ في مصارحتِه بحبّي له، نعم أنا أحبُّه..!!

.

.

.

.

* حضرَ مراسمَ عرسي، لأنّه أفضل صديق لي في كلّ الدنيا، قبَّلْتُه على خدّه، وفشلتُ للمرّة الألف في مصارحته بحبّي…  نعم أنا أحبّه، وأخشى فقدانَه لو بحتُ له بحبّي...!!

رعد محمد المخلف. سوريا


تعليقات

المشاركات الشائعة