ما اكثر أفراحي اليوم: بقلم رعد محمد المخلف

 ما أكثر أفراحي اليوم!! 


كنت طفلاً أحبُّ الطبيعة بكل حُلَلِها وعشقت السّماء بنجومها وشمسها وقمرها . وكنت طفلًا حالمًا، يخطّط لِما سيكون عليه في المستقبل

. أنهيت تعليمي وشققت دربي وخضّتُ غِمار الدنيا، فرّرتُ الاجتهادَ والتعبَ في عقدي الثالث والرّابع كتخطيطٍ مُسبقٍ مني، لأرتاح في عقدي الخامس والسادس اذا كتب الله لي البقاء.


تمر الايام سريعة وغدوتُ في  العقد الخامس لأجد نفسي أتحسّرُ على سنوات العقدين الماضيين- عقدي الكَدِّ والتعب- ، ولكن لكي أكون منصفًا بحق العقد الخامس من عمري، انه زاد أفراحي باضطراد منقطع النظير، فالفرح بات عادة يومية عندي، حيث لم أكن أعرفه في سِنِي عمري المنصرمة؛  ففي أيامي هذه أفرح بمجيء الكهرباء ساعة متواصلة، متصلة، دون انقطاع، بعد غيابها عنّا أيامًا، وأسعدُ عندما أفتح صنبورالمياه لأجد فيه ماء، أفرح بسلة غذائية توزّعها منظمة انسانية ما ، ترعى حقوق الانسان، وأفرح بعودة ولدي سالمًا من سوق انفجرت فيه  للتوّ عبوة ناسفة، وأحمدُ الله حق حمده، وأفرح لصمود سقف البيت الذي لم يسقط على رؤوسنا بعد انفجار سيارة مفخخة في الشارع الذي يلينا وتحطم النوافذ والأبواب دون التسبّب بأي إصابات لأولادي، وأحمدُ الله حق حمده ، وأفرح باجتيازي  لأحد الحواجز بسرعة - وما أكثرها – لخلوّه من الازدحام، وأفرح بهبوط أسعار الخضار والفواكه لتصبح بعشرة أضعاف سعرها، بعد أنْ حلَّقت لمئة ضعف، وتغمرني السعادة  بمواساة أجنبي لنا، يضع الرِّجل على الرِّجل في إحدى القنوات الفضائية، وأحمد الله حق حمده، وأفرح لوصول قارب مهاجرين من بلدي لشواطئ النجاة، وأفرح لنجاة زَبِّ أسرة من قبضة ثْلّة من القراصنة، كادت أن تقتله وتسبي زوجته وبناته.


وأفرح بغالون المازوت الذي حصلت عليه بعد وقوف دام نصف يوم، وانقطاع نصف حول، وأفرح لدموع جاري الذي وصل ولده إلى مقصده في بلاد المهجر، وأفرح بقلق ( بان كي مون في الأمم المتحدة )، وسجالات السّاسة الكِبار حول مستقبلنا، وأفرح بطفل تعرّف على  ( الشّبس ) وهو ابن الخامسة من العمر، وُلد في مدينة حاصرتها البراثن القذرة حين ولادته، وأفرح وأفرح وأفرح… 


 تبًّا لعقودي المنصرمة التي لم أعرف فيها أفراحًا، كالتي أعرفها اليوم، وكلمة حق لابد من ذكرها: في أيامنا هذه بتنا نتعرف على الخير فور مصادفتنا إيّاه لكونه بات نادرًا، ولوجود الشّرّ الكثير الذي يحيط بنا.

اسأل الله عزّ وجلّ أن يذهب بأفراحنا، ويعيد علينا تجهُّم ماضينا... اللهم آمين يا رب العالمين.

ملاحظة: أفراحي كثيرة لم تسعفني الذاكرة المشبعة بها، فاعذروني غلى التقصير ...


✍️ رعد محمد المخلف.  سوريا


تعليقات

المشاركات الشائعة