شمعة: بقلم رعد محمد المخلف

 قصة قصيرة

شمعة

اِلتقيا على الحبِّ وتعاهدا عليه، تزوَّجا فورَ حصولهما على عشِّ الزوجيّة، مكثا طويلًا ينتظران قدومَ مخلوق صغير يملأ عليهما الدنيا فرحًا وسرورًا، زارا عيادة كلِّ طبيب ،سمعا بنجاعة علاجه لحالات مماثلة لحالتهما. 


 في يوم من الأيّام ، وعلى شاطئ البحر الممتد أمامهما، تعانقا وتبادلا القُبَل بشَغَف، كمن يحاول إطفاءَ نارٍ طالَ استعارُ لهيبِها في تجاويف القلوب المعذَّبة، عادا وقد ودَّعا يومهما الدافئ مع غروب الشمس وراء الأفق البعيد، عائدين إلى الغرفة المطلَّة على الرمال الذهبية قِبالة البحر، طلبا طعام العشاء من مكتب الخدمات السياحيّة في الفندق، جلبَه نادلٌ كبير في السِّن، دخلَ بعد أن طرق الباب، لاحتْ على وجهه علامات الرّصانة والحكمة، حركاته الخفيفة والدقيقة في صَفِّ الصحون والمشروبات على الطاولة، دلّت على خبرته الطويلة في العمل، استأذن بالخروج،بعد أن استعلم منهما عن قضاء أيّة حاجة يطلبونها قبل مغادرته، قام الزوج إليه وأنقده قطعة نقديَّة،وضعها في جيب النادل العلويّ ،حينها لاحظَ شعارًا معَلَّقًا على حافة القميص، يدلُّ على مكان شبيه بالمعبد أو ما شابه ذلك ، ولمّا همَّ العجوز بالمغادرة شاكرًا له كرمه، استوقفه الزوج قائلًا:

- هل هذا الشعار عائد لمطعمكم ؟!

- لا يا سيدي .. إنَّه شعار لمكان مقدَّس له خصوصيّة في قلبي ..!!

- إذا لم يكن لديك مانع ، هل لي أن أعرف هذه الخصوصيّة..؟!

- لا ضير ولا مانع لديّ…  بفضل هذا المكان الذي يرمز له هذا الشعار، رزقني الله بولد بعد انتظار سنين طويلة...

قاطعه الرَّجل، وقد قفزتْ زوجتُه إلى جانبه ،بمجرَّد سماعها تلك الكلمات ،فقال له: 

- وكيف هذا… ؟!!

- نصحني أحدهم التقيته صدفة في أحَّد الأماكن، بزيارة هذا المكان الذي به قبّة خضراء عظيمة، أبلغني أنَّه مكان مبارك، وبمجرّد أن تصِلَه عليك أن تشعِل شمعة وتتركها ، ثم تنوي على حاجة تريدها، وسيقضيها الله لك… 

- هل لك أن تدلَّني على عنوان هذا المكان ؟!

- بكل سرور يا سيدي ..!!

كتب العنوان، وتبادلا العناوين الخاصة بهما ، بعد أن دعياه إلى الجلوس معهما ومشاركتهما طعام العشاء ، وقد وعدهما العجوز بزيارة إلى منزلهما في أوّل زيارة يقوم بها إلى مدينتهما. 


مرّتِ الأيَّام والأعوام بعد لقاء العجوز بهما، وفي ذات يوم شاءتِ الأقدارُ وتصادف أن يكون له عمل ضروري في مدينة الزوجين؛ فقرَّر زيارتهما، حين وصل إلى العنوان المدوَّن في مفكرته، طرق البابَ؛ فإذ بولد صغير ابن سبعة أعوام يفتح له الباب، ووراءه ستة إخوة يصغرونه سِنًا، وحين سأله عن أبيه، ردَّ :

- نعم يا سيدي هذا منزلنا، لكن والدي مسافر..!! 

- وهل أمّك في المنزل… ؟!

- لا…  جاءتْ سيارة الإسعاف وأخذتها لمستشفى الولادة، فقد حان موعد ولادتها..!! 

ابتسم العجوز وقد علِمَ أن مشيئة الله قد وقعتْ بفضل ذلك المكان ؛ فأردف قائلًا:

- متى يعود والدُك من السفر؟… وبالمناسبة،  إلى أين سافر ..؟!

- لستُ أدري بالضَّبط إلى أين، لكنني سمعتُه يقول لوالدتي منذ يومين، بأنهَّ سيسافر إلى مكان أشعل فيه شمعةً لعينةً ذات مرة، ولابد من إطفائها سريعًا… 

رعد محمد المخلف. سوريا


تعليقات

المشاركات الشائعة