تعديل: بقلم رعد محمد المخلف

 #قصة قصيرة


    تعديل    


عادَ عصامٌ وعلاءٌ إلى مقاعد الدِّراسة مع أوَّل الفصل الدراسيّ للصَّفِّ الثالث الثانوي للفرع الأدبيّ . دخل أستاذُ اللّغة العربية بعبوس كعادته دائمًا؛ وبعد التحيَّة و الترحيب به كما هو معمول به في مدارسنا، كقانون تربويّ وواجبٍ على الطلاب فِعله اتجاه المدرِّسين كافة، طلب منهم كتابة موضوع إنشائي بعنوان "  كيف أمضيتُ صيفي " ، كوظيفة منزليّة للدرسِ القادم .


 بعد مرور يوم جاء علاءٌ لزيارة عصام ، ليُخبِره بعدمِ قدرته على الكتابة وتطاير كلّ أفكاره وعجزه التام عن كتابة الواجب، فكيف سيكتبُ عن فترة العطلة الصيفيّة وهو الذي قضاها برفقته يدخِّنان التبغَ ولا شيء غيرَه، بينما اعترضَ عصامٌ على كلام صديقه، إذ أخبره أنّه كتبَ بصراحةٍ مطلقةٍ عن عطلته التي قضاها كلَّها في خمول حيث أنّ التدخينَ كان موجودًا في تفاصيل حياته اليوميّة ومع كلّ حركة قامَ بها.


 ذُهِلَ علاءٌ من ثقافة عصامٍ ومقدِرَتَه على التعبير في الكتابة؛ وبعد إتمام قراءة الموضوع الإنشائيّ " العصاميّ " ، قفزتْ إلى ذهن علاء فكرةٌ رائعةٌ؛ فقال: 


- ما رأيك أن تستبدلَ كلمة التدخين، وفِعْلَ دخّنتُ إلى كلمة "قراءة"، وفِعْلَ " قرأتُ "، أرى أن تعدّلهما في النصّ وسيكون موضوعًا رائعًا..!!


- يبدو أنّها فكرة عبقرية ولا شك…!! 


جلسا سويّة وعدّلا كلَّ الكلمات التي اتفقا على استبدالها ، وبعد دقائق أخذ عصامٌ بقراءة نصّه بكلّ فخر واعتزاز :

… وهكذا أمضيتُ عطلتي الصيفيّة، ففي كلّ صباح كنتُ أستيقظُ بسعادة وسرور من كثرة القراءة في اللّيل، وبمجرد أن أفتح عيوني ، أقرأ قليلًا، ثم أذهبُ إلى الحمّام فأغسل وجهي، وخلال انتظاري لوجبة الإفطار التي تُعِدُّها أمّي، كنتُ أتابعُ القراءة بعطش شديد وتَلَهُّف، وبعد أن أُتِمَّ وجبة الإفطار ، أعود لغرفتي بسرعة لمتابعة قراءة ما تبقّى من الرواية السابقة التي لم أستطع إكمالها ليلًا؛ وبمجرّد إنهاء قراءتها، أفتحُ رواية جديدة وأبدأ بالتلذّذ بطعم اللغة العربية الرائعة فيها، وهكذا استمرُّ بالقراءة حتى ينتابني النعاس، أنام حتى توقظني أمّي بعد أن تُبعِد وتنفضَ عن صدري " غبار " الرواية، وهكذا أقعد في سريري وأتابع بعضَ القراءة، ثم أذهب إلى المطبخ لتناول الغداء، وبعد أن أنهي غدائي أقرأ لساعتين متواصلتين دون توقّف، بانتظار صديقي علاء الذي يأتيني بشكل يوميّ، وحين يحضر؛ و بصحبته رواية رائعة جديدة ، نجلس على الشرفة ونتناول الشاي بينما نقرأ بعمق؛ نسبر أعماق الكتابة مع كلّ حرف وكلمة، وهنا نسمع صوتَ إبنة الجيران تنادينا من الشارع في الأسفل، نسندُ ذراعينا على حديد الشرفة ونحن ننظر إليها لنعرف ماذا تريد، لنجدها في غاية التعبِ بعيونها الحمراوين ، من كثرة القراءة ليلًا، وقد وضعت خلفَْ أُذِنها نصفًا محترِقًا من  "قاموس لسان العرب " ، وحين نجاوبها :

- ماذا تريدين يا ليلى.. ؟!


تطالبنا ببعض الروايات الجديدة لتقرأها، فقد قرأتْ كلَّ رواياتها في المنزل وأنهتْ قراءة رواية أبيها سِرًّا حين كان نائمًا، وهكذا نرمي إليها عددًا كافيًا من الروايات، حتى يتسنى لها جمع النقود من مصروفها لشراء سلسلة روايات جديدة… .

رعد محمد المخلف.  سوريا


تعليقات

المشاركات الشائعة