تسرع: بقلم رعد محمد المخلف

 #قصة_قصيرة


تَسَرُّعٌ


الحرُّ شديدٌ في الخارج، ومكيّفِ السيارة يكاد أنْ يلفِظَ أنفاسَه الأخيرة، توَقَّفَ عند أوّل محطّة وقود كانت بطريقه، نزلَ من السّيّارة بجسمه الضَّخم المفتول بالعضلات، لا ليتزوَّد بالوقود، بل لِيُبَلّلَ فوطته بالماء من صنبور الثّلاجة المُعَدّة للسائقين والزبائن والمسافرين العابرين.  شَرِبَ حتى ارتوى، مَلَأ قِربَتَه، ثم اتجه إلى سيارته، مسحَ اللّوحة فوق سقفها، لتظهر كتابة ( للأجرة)، ثم جلسَ وراء المِقوَد ليعودَ إلى رحلة البحث عن زبون، وضع الفوطة فوق رأسه كي يشعُر ببرودة التكييف.  

كانت الشوارع شبه فارغة من الناس، فكّر بالعودة إلى المنزل، ففي مثل هذا القيظ الحار، قد لا يجد من يستوقفه، لِهذا قرّر جازمًا العودة للمنزل، وقد قاربت الساعة على الرابعة عصرًا، استدار وانطلق ينهبُ الأرض بعجلاته كي يصلَ إلى بيته حيث الزوجة الحنون، والبيت الهادئ. 


في الطريق أعاد ذكريات وصور عُرسِه الذي مضى عليه قرابة الشهرين؛ فهو كما يُقال لدى العوام عندنا، عريس جديد، والعسلُ في أوّله، والشوق للقاء الحبيبة في أوْجِه.

  

وصل إلى حيث يقطن؛ ركنَ سيّارته تحت ظِلّ شجرة التوت الفارِعة، وترجّل منها، بعد أن أغلقَ بابها بهدوء كي لا تشعُرَ عروسه المعسولة بقدومه؛ فقد أراد مفاجأتَها بعودته على غير موعده المعهود لديها. 


 فتح باب البيت بترَوٍّ شديد، دلفَ إلى غرفة الجلوس، فلم يجدها، فقرّر الولوج إلى المطبخ كي يغمضَ عينيها كما تعوّد أن يمازحَها دومًا، وكذلك لم يرَها هناك، إلّأ أنَّه وجد بقايا طعام وكأسيّ شراب؛ شعوره بالجوع والعَطَشِ جعلاه يتناول شوكةً غسلها بالماء، وأخذَ يلتقطُ بها اللّحمَ المقدّد، وقطع الطماطم، ويلتهمُها بشَغَفٍ. 


كان يمضغُ بشهيّة عالية، حتى سمعَ صوتَ تنهيدة أنثويّة من غرفة النوم؛ فقام من فوره، ومشى بحذر وكأنَّ الطير على رأسه حتى وصل إلى باب مَخْدَعِه المُعْتم، كون الستائر قد تمَّ إسدالها بإحكام وعناية، والأنوار مُطْفَأة، ممّا جعل الغرفة تغوص في ظلام حالك. 

 دخلَ الغرفة على رؤوس أصابعه كما السَبْع يتربَّص بفريسته، وحين تَكَيَّفَتْ عيناه مع الظُلمة نوعًا ما، استطاع تمييز جسدين أبيضين فوق بعضهما في فراشِه، في تلك اللحظة، شعرَ  بالدماء تغلي في عروقِه وهي تتجِه نحو عضلاته التي أخذتْ تتقلص متأهّبة للإنقضاض، وهذا ما حصل بالفعل، فقد قفز فوقهما مُثَبِّتًا إيّاهما بقوة، بينما يدُه الممسكة بالشوكة التي لم يفلِتها، انهالت بالطعن في رقبتي فريسَتيه دون هوادة، وبسرعة فائقة وتِكرار مُتَعَمّد وبحَنِقٍ عظيم، حتى استكان الجسدان بلا حِراك تحته. 


خرج من الغرفة يجرُّ  " جثمانه " جَرًّا، جلسَ إلى طاولة الطعام ثانيةً، وهو ينظرُ إلى قطعة اللّحم البَشَريّ، العالقة بالشوكة الملتوية الفاقدة لشكلِها المُتَّسِق، بفعل ارتطامها بعظم العُنْق، وهي لا تزال تقطُرُ دَمًا. ابتسمَ بمرار كالعَلْقَم، سرعان ما تحوَّلَ إلى نَشيجٍ مكتوم حارقٍ لشِغاف قلبِه المكلوم، بفاجعة خيانة زوجته له، وهو الذي بنى أحلامَه الورديّة المستقبليّة معها؛ فكيف ومتى وأين، التقتْ بهذا الإمَّعة لتخونه معه؟!! 


مرّتِ الدَّقائقُ عليه ويكأنها عقود طويلة، وهو يتفكَّر بما آلَ إليه الحال، وفي هذه الأثناء سمِعَ صريرَ باب البيت وهو يُفْتَحُ من الخارج، تَسَمَّرَ في مكانه، وهو ينتظرُ الداخلَ عليه؛ وحين نادتْ زوجتُه:

- حبيبي… !! زوجي العزيز ..!!… ..عَلِمْتُ بوجودِك من سيارتِك المركونة في الخارج..!! ..لدينا ضيوف…!!  هل أيقظتَ شقيقَك وزوجتَه.. ؟!!


✍️ رعد محمد المخلف. سوريا


تعليقات

المشاركات الشائعة