إقناع: بقلم رعد محمد المخلف

 قصة قصيرة

إقناع

وصل الأبُ برفقة ابنه الصغير إلى حانوت الألعاب، تفقّد الوالدُ جميع الرفوف، فلم يجدْ سوى سيارات تصطف باتساق وراء بعضها.  كانت جميعها متشابهة باللون والشكل، إلّا أنّها  مختلفة بالأحجام فقط، صغيرة، وحجم وسط، وكبير .همَّ أن يشتريَ سيارة صغيرة لطفله، إلّا أنّ الطفل أصرَّ على السيارة ذات الحجم الكبير.  حاول والده بشتى الوسائل أن يقنعه بالسيارة الصغيرة، لكن الطفل المشاكس ألحَّ  على شراء السَّيارة الكبيرة . أعاد الأبُ محاولة إقناع طفله للمرّة الثانية، لكن بطريقة مختلفة، وبتودّدٍ شديد، شارحًا له أنَّه لا يملك ثمن السيارة الكبيرة، وتماشيًا مع رغبته سيشتري له السيارة ذات الحجم المتوسِّط؛ فما كان من الطِّفل إلا أنْ يُلقيَ بنفسه على بطنه، ليبدأ الصراخَ والبكاءَ، والرفسَ برجليه على الأرض، صُعِقَ الأبُ المسكينُ من تصرّف ولده، وقد تحلَّق الزبائن من حولهما؛ ينظرون إلى هذا السلوك الغريب للطفل.  حاول الجميع ،كلٌّ بطريقته إقناع الطفل بقبول السيارة التي اختارها له أباه، إلا أنَّ محاولاتهم لم تُزِده، إلا صراخًا وعصبيّة. تقدم رجلٌ عجوزٌ من الأب وقال له: 

- هلّا سمحتَ لي يا سيدي بالتحدُّث إلى الصغير، بغية إقناعه؛ فأنا طبيب نفسيّ ، أفهمُ تمامًا طُرُقَ الإقناع بسلاسة وهدوء..!! 

أشرقَ وجهُ الوالد ورجاه وبتوسّل عظيم أن يتدخَّل لحلِّ هذه المعضلة مع إبنه العنيد.  جلسَ العجوز القرفصاءَ وهمسَ بإذن الطفل بضع كلمات، قام الولدُ من فوره ، وقد سكنتْ الهيستيريا لديه، مسحَ دموعه بسرعة؛ ومدَّ يده نحو السيارة التي كانت بيد أبيه وضمَّها إلى صدره بسرور عارم. فَرِحَ الأب وجميعُ الواقفين حولهما، بل وصفّقوا له بابتسام ورضى . صافح الأبُ الطبيبَ النفسيَّ وهنَّأه بعِلْمِه الرَّائعِ وخبرته الكبيرة، إلّا أنَّ الفضول دفعه لمعرفة تلك الكلمات السِّحريَّة التي جعلتْ حالَ ولدِه ينقلب رأسًا على عقب؛ فسأله بهدوء وأدب شديدين: 

- هل لي أنْ أعرف يا سيدي الفاضل ، الكلمات التي همستَ بها في أُذُنِ ولدي؟!!

- بالطبع يا سيدي..!!  لقد قلتُ له بأنّني سأعضُّ أُذُنَه بأسناني حتى أقطعها، إذا لم يقبلِ السيارة التي بين يديك…!!

✍️ رعد محمد المخلف . سوريا


تعليقات

المشاركات الشائعة