ابن صاحبة القصر: بقلم رافع الفرطوسي

 قصة قصيرة

أبن صاحبة القصر

لست متأكدا من بدايات هذا القصر وساكنيه.، ولا املك حدسا لوضع احتمال لمستقبله ، فالكل غالبا ما يسبقني ان فكرت في يوم ما بأن اتعدى الوقائع لأرسم حدودا أخرى للأشياء.، حدود غير تلك التي أراها وانسبها للواقع.

كبرت في هذا القصر وليس لي ذكريات في بيت سواه، رغم ان امي تقول انها انتقلت بي اليه حين كنت أبلغ الثالثة من عمري، فثلاث مضين في كوخ تحيط به الهموم و تغطيه كل أنواع التعاسة - جديرة بأن لا يتذكرها من عاشها بغض النظر عن عدد سنين عمره، ثم من أين لابن ثلاث ان يحفظ لعشرين تلي؟ فوالدتي هي الأخرى ترفض الحديث عن تلك المرحلة وكأنها نسيت احداثها بالفعل.

صاحب القصر تاجر ثري كان ابوه صديقا لجدي ، وذلك ما دعاه لاحتواء والدتي في قصره بعد رحيل ابي الذي لا أعرفه ولم اره مطلقا، ابي الذي يقولون انه أودع امي في كوخ العذابات لسنوات حتى شاء القدر بالإفراج عنها برحيله الذي هو الاخر لا أعرف ما المقصود منه! أتراه هروب ام هجرة او موت مفاجئ. ما يهم الذين يروون لي تلك الرواية أنه رحل فحسب.

احاطني الرجل برعايته ولم يبخل علي بشيء ،حتى انني لم أكن أشعر انني ابن مدبرة القصر . تفوقت في دراستي بعكس ابنه المدلل الذي يكبرني بعامين واسقه بمراحل، فلقد أوشكت على إنهاء دراستي الجامعية وما زال الأمير في الإعدادية.

اما الزوجة فبالكاد يراها الساكنون من اهل القصر و خدمه، تقبع في جناحها الفخم لا يخرجها من جوف مواقع التواصل شيء مهما عظم .

وفي اية مسألة تخص القصر لا نسمع غير عبارة : اتركوا الأمر لأم سالم فكل الحلول عندها، تلك امي التي اكاد أجزم انها توكل اليها أمور تتجاوز دور المدبرة لتتصرف وتتخذ القرار كأنها سيدة القصر الأولى.

كل هذا يجعلني افكر احيانا بعبور حدود الواقع واقول لنفسي ولو لمرة ماذا لو ؟ فهناك مؤشرات تثير الريبة بداخلي وان كانت واقع فرض نفسه ، الاب الذي لا أعرفه والأم التي انتقلت لقصر ابن صديق ابيها ورعايته لنا ، بل تحميلنا مسؤوليات ثقال لا يتحملها ابنه و زوجته وكذلك حرص امي على عدم الخوض بماض عاشته مع الزوج المزعوم.

تشجعني هذه الأشياء ان اقول ماذا لو ؟

لو ان صاحب القصر ارتكب الخطيئة مع امي التي كانت اصلا خادمة في قصر ابيه الذي يحترم جدي الفلاح في حديقة القصر، فليس هناك خلاص سوى تجنب الفضيحة ،و بسبب الفارق بين العائلتين سيكون الحل بأن يرعى الرجل هذه السيدة وابنها الذي لم يحصلوا على فرصة اجهاضه.. ذلك الذي صار فيما بعد :انا !

ماذا لو اتفق الطرفان على ان لا يمنحني الرجل أسمه شانه شان تلك العناية والمودة ، وقد قبلت امي على مضض فهذا حل اهون من كل النتائج المحتملة الاخرى، وكان ضمن الاتفاق ان يبقى السر بعيدا عن مسامعي ليتم اختلاق قصة الاب الظالم الذي انصفنا القدر من قسوته برحيل ابدي.

تلعب امي الدور الأكبر في القصر دون اعتراض سيدته الاولى، تقرر ما تشاء و تفعل ما تريد وتفرض رأيها في أية قضية كانت دون اعتراض من احد بل يلقى الترحيب ما تقول وتفعل، يتباهى الرجل بنجاحاتي ويفخر أمام مجتمعه المخملي بي دون أن يذكر أسم ابنه الفعلي ، ماذا لو ان هناك بالفعل شيء مريب؟

أتراه سيترك لنا في وصيته شيئا من ثروته العظيمة ام ان الاتفاق لم يتطرق لهذا ؟ وهل هناك أمد محدد لمكوثنا في القصر ومن ثم اختلاق قصة جديدة لإزاحتنا منه ، كتقاعد إجباري لمدبرة القصر مثلا ، فما كان من الواجب ان يكون فضيحة مر عليها عقدان من الزمن ، أصبح درسا في الفضيلة!

ماذا لو كان ما اقترضه هو الحقيقة ، الحقيقة التي تغير كل الصور في ذاكرتي ، فأنا ابن زنا انجبته شابة خضعت لإغراءات سيدها الذي تقوده غريزته لأي طريق مهما كلفه الأمر متسلحا باسم عائلته وثروتها.

اما زوجته فلم يكن يرضيها سوى حل وسط لا يؤذي مشاعرها ويجنبها الاحراج بين قريناتها من بنات العواذل الغنية بأموالها واملاكها، الفقيرة بباقي الاشياء.

ماذا لو كانت هناك قصة أخرى لا تشبه هذا الواقع ولا حتى ما افترضته انا ؟

انا مؤمن بأن هناك ما يخفيه الجميع عني ولكنني لا أعرفه ، و في كل الأحوال سأظل أجهل البدايات ولا أدرك سوى ما يقال عنها والحقيقة المطلقة عندي هي تلك المنطقة الوسطى التي نكمن الان فيها جميعا، فكيف لي بمعرفة خاتمة ما أجهل بداياته؟

رافع الفرطوسي

البصرة 2022


تعليقات

المشاركات الشائعة