رحلة الى القرية: بقلم رعد محمد المخلف

 💥 قصة قصيرة


رحلة إلى القرية.

************

في يوم من الأيام اقتضت حاجتي أن أسافر الى القرية والتي بدورها تتبع إدارياً لناحية (ذيبان) في محافظة دير الزور* *، وذلك لاستخراج بعض الثبوتيات كانت قد لزمتني لإتمام معاملة حكومية كنت أقوم بها في المدينة وهنا بدأت المعاناة :

ركبت الحافلة المتوجهة الى القرية والتي أشبه ما تكون بحديقة الحيوان ، فمن الدجاج المربوط من سيقانه تحت المقاعد ، وصولاً الى رؤوس الماشية من ماعز وغنم والتي تقف بجانب المقاعد بالقرب من مالكيها ، وحمدت الله عزّ وجل أنني لم أجد حميراً وبغالاً وهذا لطف منه. كلُّ هذا تقبلتُه بروح رياضية ولكن تتطاول إحدى الراكبات (عنزة) والتي بدأت بالتجوال بين المقاعد كشرطي مرور ، هذا مالم استطع عليه صبراً وخاصة أنها كما بدا لي وقعتْ في غرامي ، حيث تركت الجميع وهرعت أليّ تلعق ساعدي المُعرَّق بفعل حرارة الجو ، وكلما هششتُ عليها لتبتعد عني كانت تزداد تعنتا أكثر فأكثر ،بل  تزداد حباً وهياماً وتعلقاً بي ،حتى ظننتُ أن الأمر التبس عليها فظنّتني تيساً مقداماً ، وعندما لطمتُها على خطمها نظرتْ إليّ نظرة  ثابتة ، وقع قلبي منها ،حيث قرأتُ فيها الانتقام القادم، فما كان منها إلا أن عطستْ وأمالتْ رأسها باتجاهي عن قصد لتنشر عليّ مخاطاً أخضر ، لعلها اختزنته لي منذ عقد من الزمن ولكم تخيل ما حلّ ببذلتي البيضاء . بدأ الركاب تباعاً بالصعود الى الحافلة والسائق يصرخ خارجاً مستنهضاً الهمم لاستكمال عدد الركاب ، في الوقت الذي كنا نتصبب عرقاً وأصوات الركاب الصاخبة تختلط ببعضها ودخان لفائف التبغ التي شكّلت ضباباً صيفياً كثيفاً ، والذي أرهقني أكثر هو الجالس ورائي وهو ينفّث لفافة وراء أخرى وبين الفينة والأخرى يضحك بقرقعة يخرج لعابه معها ليستقر على رقبتي ، ولم يطِبْ له إلا أن يخرج دخانه وقد (زمزم) شفاهه ليعطيه زخماً هيدروليكياً ، فكيف سيصل الى من هو أمامه بدون هذا؟ عندها فقدتُ صبري ونزلتُ من الحافلة لأكلم السائق علّه يرحمني ويقرر الرحيل بنا ،وعندما أطلعتُه عن مكنون قلبي نظر اليّ ولفافته في الجانب الأيمن لفمه قائلاً : هذا رزقي ولن اتحرك قيد أُنملة ما دام هناك مقعد واحد فارغ .

فرددتُ عليه : 

- عن إيّ مقعد فارغ تتكلم يا صاحبي ؟ الماشية تتحتل  الحافلة بالكامل، فهل هذه مركبة للبشر أم شاحنة ماشية ؟! فأرعد وقرقع :

- كم دفعتَ أجرة ركوبك ؟

- 50 ليرة سورية !

- هااااا.... وهل تعلم ان أجرة العنزة تلك هي 100 ليرة ؟ إذا الأنفع لي أن أقُلَّ الدواب عوضاً عن البشر . 

الحقيقة أنه افحمني من الناحية الاقتصادية ، وصعدتُ الى الحافلة مستسلماً وقد التقتْ عيوني بعيون العنزة العاشقة التي حركتْ ذيلها واقتربت مني من جديد . 

 

ملاحظة:  ** دير الزور هي محافظة سورية تقع في الشمال الشرقي .

💥2019


تعليقات

المشاركات الشائعة