عيد ميزوبوتاميا: بقلم رافع الفرطوسي
عيد ميزوبوتاميا
يحتفل نصف الجمهور , بين تبادل التهاني أو نشر محتويات على وسائل التواصل , او عن طريق رفع الاعلام فوق أسطح المنازل والمؤسسات الحكومية .
أما سعادة والي المدينة , فلقد طار منذ الصباح الباكر الى الأعلى ساعياَ الوصول الى القمة قبل الآخرين في سباق الارتقاء الذي يسبق انحدار .. فسقوط في الهاوية !
يحتفل نصف الجمهور , جمع من البسطاء الذين يمنون انفسهم بالحفاظ على بطاقة وطنية وجواز سفر وبطاقتين للسكن والحصة التموينية , يمنون النفس بأن يحصلوا على فرصة مواطنة دون مقابلة شخصية وبلا اجراءات روتينية , وبين هؤلاء , اولئك المنتفعين من كل الولاة , المتلونون مع كل بيئة ومناخ , المستفيدون من كل ظرف ..اولئك المتسلقون على ظهور هؤلاء !
يحتفل نصف جمهور المدينة , آملاً بعطلة رسمية مدفوعة الأجر تضاف الى اخواتها الأخريات , سواء الثابتات في سطور دستور المدينة أو المعلقات في أذهان الولاة والحكام , والموشحات بسواد النعي والتشييع !
يحتفل نصف جمهور المدينة , ولا أحد يسأل عن سكوت النصف الاخر , عن عزوفه , وربما اعتراضه . اولئك الذي ينظرون الى المدينة كبيتٍ يمكن ان يصلح للعيش اذا صلح اهله , لا مزرعة يشقها نهران وحولها آبار نفط.
جمع من الذين وصفهم تاريخ الرفض بالمتمردين , وأسماهم الاضداد بالإعداء و الخونة , ووضعتهم منابر مارقة في خانة المارقين .. وهم أدرى بأنفسهم .
في صبيحة يوم الحفل , نصف يحتفل , نصف لديه رأي آخر , والوالي طار نحو القمة يشكو مرارات أهل السفح .
لي صديق هاجر في زمن المكر الى مدينة أخرى حاملاً معه كل الحقائق في حقيبة المثل العليا , وقد عرفت أنها صودرت منه في المطار لعدم موافقتها لشروط العيش بتلك المدينة , ووعدوه ان يعيدوها الى موطنه الأصلي شرط ان يهديهم الى عنوان محدد , ففشلت تلك الاجراءات اذ كانت إجابته : لو كان لي عنوان في مدينتي لما تركتها !
في صبيحة يوم الحفل , ارسل الي هذا الصديق بطاقة تهنئة مذكرا اياي بأن عمر المدينة قد جاوز الثمانين بثلاثٍ , فكانت دهشتي لا توصف حيث تذكرت أن محتوى حقيبته كان يشير الى ذكريات لآلاف السنين , وفي اسفل البطاقة كان يسألني عن اخباري و.. كيف حال الجميع ؟
لو كان قد سأل عنهم نصفاَ بعد نصفٍ لأجبته , فحال الجميع لا يتشابه لأرد بما يتوافق معه , فكيف أصف الجمع بكلمة وهو شتات أم تراني سأفعل مثله ؟ كما اختصر الالاف بثمانين منها ؟
فكرت ان اراجع ادارة الحدود علهم ما زالوا يحتفظون بالحقيبة , تذكرت ان الحدود بلا ادارة , ثم أن دائرة الاثار قد رفعت مؤخرا شعاراَ يمنع كل سلوكيات العبث ومنها : الحضارة .
فكرت بكل ما أوتيت من حيلةٍ حتى تعبت وبلا وعي ضغطت على زر ايقاف التفكير , فوجدت أنني ما زلت أفكر رغم انطفائي .. وتذكرت انني من نسلِ اولئك الذين ماتوا منذ الاف السنين ومازالوا يفكرون .. ضغطت على زر اعادة التشغيل وكتبت ردا مختصرا لصديقي :
نصف يحتفل , نصف يعترض , طار الوالي .. ولقد شاخت المدينة يا صديق .
رافع الفرطوسي
الثالث من اكتوبر 2022
بمناسبة عيد ميلاده الثالث والثمانين
ميزوبوتاميا سايكس بيكو
تعليقات