موعظة عاهرة: بقلم إدريس الزياتي

 موعظة عاهرة 


دوت  أصوات مرعبة  متتابعة كما لم يعهدوها من قبل  ، كل الأمهات  انقطعت أنفاسهن تبحثن عن صغارهن ، غربان سوداء وأخرى رمادية  تحلق على علو متوسط ، تبحث عن فرائسها ،هذه المرة تختارها بعناية مفرطة، فقد أصيبت بالتخمة  من كثرة  الفرائس  على الأرض التي  ضربها  الجوع والمرض من فرط ما آلت اليه الأوضاع بعد الجائحة ، فهي تروم التهام  الأكثر قيمة ، نظارة وفائدة  ،  تسلط عيونها النارية على الأرض لتستكشف الممرات والأقبية والمخازن   قبل أن  تنفث سمومها، وتشحذ مخالبها ،  لم تعد أي الأوكار آمنة ، تأتي الغربان تباعا  قد أقسمت على رد الصاع صاعين ،   مستهدفة الماء والكلأ لتقضي على كل ما من شأنه أن يبعث في  طرائدها الأمل في  مواصلة  التحدي  الذي رفعته  من قبل .  


 فرغم تضامن  الصقور والنسور، مستعملين عيونهم ،  وإمكانياتهم  الكبيرةفي الرصد والصد ، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لحماية الفراخ أوالطيور الضعيفة، التي تركت أعشاشها واستوطنت بطون الأرض وجذوع الأشجار و  المغارات  والأنفاق    لتفاذي مزيد من الخسائر،  فهي تعلم علم اليقين أن العدو كاسر  و الأمر قد خرج عن السيطرة  تحاول  استجداء الدعم و   تخويف الجيران  من نفس المصير فهذه فقط البداية والنهاية هاوية أو  مقبرة و يحذرهم مغبة التقاعس ويبين النتيجة الحتمية  المنتظرة . 

 

 كانت الحمامة المتنكرة تداعب  صغيرها ، تدور حوله ، مغردة بصوتها الشجي منذ دقائق،  تنظر الى جماله الأخاذ،   والشمس تطل بوجهها المضيئ من كبد السماء ، مستبشرة بيوم  تبحث فيه عن ما يسد  رمقها ،  ألقت بنظرة شغف وحب من بيتها في أعلى الدوحة الباسقة   على الخارج الذي يبدو هادئا مريبا  ،فهي تحب الحياة وتسعى الى الاستمتاع بكل  الوسائل المتوفرة    ، لكنه السكون الذي تليه العاصفة ، لم يكن صغيرها قد تمكن من الطيران  فهو في أسابيعه الأولى  ، تخشى عليه من نسمات الهواء الباردة قد لفته  في بقايا قطن وأصواف  استجلبتها  من الحقول المجاورة يوم  كانت  تسمع  أهازيج النساء ،  وهدير الآلات وهي  تقطع الأرض روحة وجيئة  تلم المحاصيل  وتترك وراءها  بقايا  حبوب وثمار  قناطير مقنطرة  ترمي بها للأسمأك او تشعل فيها النيران مدمرة .


   يوم كانت مواسم  التوالد زاهية  تسمع لها  أناشيد مغرية ، الأضواء  تقتحم العتمة ،  تطير  الفراشات  وتغرد البلابل على الأفنان منتشية  ،يوم كان الأمل   قد بنى محرابا ترتاده كلما  كانت لها  حاجة تسرقها من أعين الزبانية  . لكنها اللحظة  قد أرخت لأفكارها العنان  ساهمة   متفكرة  كيف يكون المآل، وقد  كثرت المطارق  واشتد  السجال ؟  كيف نبلغ ما نريد بالمقال؟  إنها  معضلة  تستدعي الجواب لكل سؤال . 

 

 على حين غرة  سمعت  صوتا  مفزعا  اقتلع الشجرة من جذورها ، استطاعت التحليق  ليس بعيدا  فصغيرها  بين  فكى كماشة ، لا هي قادرة على تركه ولا هي  مؤهلة لإ نقاده لكن صيحة بداخلها تعالت كفرقعات الرعد ، قد مزقت أحشاءها  وأحالتها  ريحا   مزمجرة  حجبت الرؤية عن كل ذي عين  مبصرة ، تدور  دوران العا صفة  لتسقط  على الأرض كل ذي أجنحة أوقوة قاهرة  ، تتابع طريقها باحثة  عبر صفيرها المخيف عن  كل من سولت له نفسه  أن يغير على  االآمنين  ، ويستبيح  بقوته   الطيور   والفراخ  والفراشات  وعيون المها  الجميلة الساحرة  .


 تداعت  الأصوات  وعلت حول  قوة الردع الجديدة ، فهي تمكين من السماء أو معجزة   رأتها  كل الزواحف  الدواب و  الحيوانات فعلمت ان العدو المالك لوسائل  البطش  قد  طغى وتجبر  قد أتاه   ما لم يحتسبه  فبالضعف  كم  مات كثير  من  الحبابرة   وما النمرود  إلا   مثال صارخ  من الأمثلة الغابرة .  


ادريس الزياتي


تعليقات

المشاركات الشائعة