هدنة: بقلم رافع الفرطوسي

 هدنة


أخذ الطوفان ما أخذ.. تلاشى تدريجيا بعد ان هدد باغراق المدينة بأهلها.

علامات الخراب موزعة بين الارض وسحب الدخان، والهشيم متناثر ومبهم حتى تكاد لا تميز بين بقايا انسان او شيء آخر.فلقد كان الإنسان قبل الطوفان شيء من الأشياء فحسب.

الان وقد زال خطره، يبحث التعساء عن أحبة فقدوا في هجمة السيل ، بعض منهم عشق الموج وظن نفسه انه ابن الماء فغط بكل قواه في ما ظن انه الأصل ليندمج فيه، والبعض الاخر كان يخاف ان يطفيء الماء ناره فوقف بالضد وبين الذراعين والصدر شمعة ، كلاهما قد غرق !

البؤساء أبناء البؤساء غرقوا، شبعوا ماء حتى عوضوا كل عطش وجفاف ، بين الانقاض والطين يمكثون،  يسمعون جدا نداءات الاحبة : أصواتهم و هي تردد اسماءهم التي حفظوها كل العمر دون بقية الأشياء.

من يقوى على الرد ، ليصيح : انا هنا ؟ 

انتشل المثكلون ابناءهم من بقعة بين ظهر الارض و جوفها ، ذهبوا بهم بعيدا من هضاب الخوف والجوع نحو وادي السلام.

من بين شقوق السد المتهالك ، ما زالت قطرات تتسرب ولكن لا احد يهتم، هي قطرات ليس بمقدورها ان تحقق ما فعل ابوهاالطوفان  ليلة البارحة.

في صبح جديد، نام أبناء الماء و أبناء الجمر في واد مهيأ للجميع، واستيقظ من نومه الطويل كل مصممي السد و مبتكري أطواق النجاة ليعلنوا ان المدينة بخير ، و ان الحياة قد عادت الى طبيعتها ، فلقد هزموا الطوفان بجنود لم تروها ، ولن تروها ابدا.

سيعقدون اجتماعا تبشيريا ، ويزفون اخبار السعادة الى الجمهور الناجي بأمر الله ، مدعين ان الخطر قد زال الى الابد ، متناسين تلك الشقوق الحبلى وهي تضع القطرات واحدة فواحدة ، سيتركونها تنمو وتكبر لتشكل سيلا يبتلع الجميع ، حيث لا نوح و لا سفينة! 


رافع الفرطوسي

البصرة 2022


تعليقات

المشاركات الشائعة