صقيع: بقلم محمد فتوح

 قصة قصيرة:


                  صقيع


     وجه السماء عبوس مكفهرّ يزيد من وحشة المساء...صوت الرّعد القادم من بعيد ينبئ بسيل غزير... صقيع يسّاقط دون رحمة...يقف عامر مرتعشا خاوي البطن أمام مطعم صغير ...عيناه تختطفان من الموائد وأفواه الزبائن ما لذّ وطاب من أطعمة مختلفة...

يجود عليه أحد الزبائن بصحفة "لبلابي"... يسري في جسده المنهك شيء من الدفء... عليه الآن أن يجد مكانا آمنا للنوم حتى إذا ما بان الفجر قصد محطّة النقل البرّي ليعود إلى مسقط رأسه...

لم تثمر تجارته بالعاصمة جرّاء حجز أعوان البلدية المستمرّ لبضاعته حتى نفد ما ادّخره من مال وبات عاجزا عن تسديد نصيبه من معلوم كراء الحانوت الذي يتقاسمه للسكن مع بعض الباعة المتجولين...  

     مساجد المدينة وزواياها لم تعد تؤوي أحدا مذ تجرّأ بعض المنحرفين على سرقة بعض المصاحف والكتب الأخرى....

عليه بأحدى الأسواق المسقّفة اتّقاء للمطر وقسوة الصقيع...

لجأ إلى سوق سيدي محرز...وقع بصره على ركن بين دكّانين يبدو كمحراب...افترش بعض الجرائد والورق المقوّى...تكوّر...تغطّى بشبه معطف...تحدّى الصقيع وصوت الرعد ونام غير عابئ بعراك القطط والكلاب السائبة... 

في الصباح حمل أعوان الحماية المدنيّة جثته المتجمّدة إلى أقرب مستشفى.....


م.فتوح 

تونس


تعليقات

المشاركات الشائعة