شبح في دار النشر بقلم: رعد الإمارة

 قصة (شبح في دار النشر) 


صافحني بود، ناشر كتبي العزيز، قال وهو يمسح ملامح وجهي بضحكته الحلوة التي اعرفها :

_اجلس يا صديقي، وددت شرح الأمر لك بالهاتف لكني طردت هذه الفكرة عن ذهني ، فضّلتُ حضورك لترى وتسمع بنفسك. قلت وأنا ابتلع ريقي اليابس اصلاً :

_تعرفني، لا أحبُّ سماع الأنباء السيئة، إنها تفطر قلبي. قاطعني وضحكته المجلجلة تعلو على صوت ضجيج الشارع :

_كانت هنا، تقف خلفك بشبر واحد. حاولتُ الاستدارة، فعلت ذلك ببطء شديد، حدقت في الرف الذي تكدست فيه مجموعاتي القصصية، اصطدم بصري بالعنوان، المرأة التي لاتموت، يا إلهي، اتكون هي؟ لكن لا، كل ماكتبته كان محض خيال، أعادني صوته الأجش وضحكته الكبيرة من عالم التخيلات، هتف بي :

_لو اخبرتك بالجوّال لما اصفرَّ وجهك هكذا. رحت الاحق كلماته وحركات يديه، نهض عن مكانه ووقف في مواجهتي، قال :

_كنت اجلس في مقعدي هذا ، وكنت منحنياً لأحضار بعض الأوراق المتكدسة تحت، ما أن رفعتُ بصري حتى رأيتها، نعم نعم، خلفك تماماً بشبر كما اخبرتك، متى وكيف دخلت!؟ عادة ما يصدر الباب الزجاجي صوتاً،انت تعرف ذلك، طيب هي لم تلقي سلاماً، ولم تلتفت الي، وكأني لست بصاحب هذا المكان، بل كأني لست موجوداً اصلاً! مع نفسي قلت هذه بنت مغرورة بل وقحة، لاتنظر هكذا، تعرفني احترم النساء، لكن هذه، تنحنحتُ وعَبثتُ بالأوراق واصدرتُ عشرات الأصوات لكن دون جدوى، اخبرتك وكأني لستُ موجوداً بالنسبه لها!. قلت وأنا أجذبُ غطاء قنينة المياه التي قدمها لي :

_نعم اكمل من فضلك، لكني افضّلُ أن تجلس، هكذا أنتَ تخيفني. عقد مابين حاجبيه، لكنه استمرَّ يرمش وكأن في ماقلته دعابة، قال وهو يجلس خلف مكتبه :

_البنت هذه اخذتْ تدمدم مع نفسها، هل تدري ماذا فعلتْ؟ ، أخرجت منديلاً وردياً ثم راحت تمسح الغبار عن غلاف كتابك، يارجل لم أرى مثل هذه الرقة، وكأن الذي بين يديها طفل رضيع لا كتاب. صمت صاحبي، لكنه خرج عن صمته حين امتدت اصابعي تعبثُ بعلبة السجائر خاصتي، كاد ينهض عن مقعده :

_لا ارجوك، اقتلني ولاتدخن،ليس أمامي ولا في هذا المكان. اعتذرت منه، نهضتُ عن مقعدي، كانت يدي ترتعش، لحظات وكنت خارج دار النشر، أسرعتُ بأشعال السيجارة، ياالهي، هذا ماكنت احتاج اليه فعلاً. حين عدت وجدت صاحبي الناشر يجري اتصالاً، كانت تضاريس وجهه تشي بالحبور، حتماً صفقة جديدة، تسمرّتُ بقدمي عند رف الكتب الذي يضم مجموعاتي القصصية، مددت يدي، اوه حتى أنا يجذبني اللون والعنوان( المرأة التي لاتموت) اغمضتُ عيني، ابتلعت ريقي وقد تذكرت أمراً، تلفّتُ صوب الناشر الذي كان يهز راسه مراراً وتكراراً وهو يواصل حديثه مع الجانب الآخر، أشار لي بيده للمقعد ، أنهى مكالمته وتنهد في وجهي، قال :

_لستَ على طبيعتك يا صديقي؟. أخذتُ اداعب حافة المكتب، قلت وأنا احدّق في نظارته ذات الإطار الزجاجي المربع :

_أريدك أن تصف المرأة التي رأيتها، أعني المرأة التي كانت هنا. اخذ يميل برأسه يميناً وشمالاً، افرد يديه وقال :

_طبعا طبعا ياصديقي، تعرف ذاكرتي - قالها واخذ يضحك - ثوب رصاصي، لا مهلاً ليس ثوباً، عنيت قميصاً رصاصياً طويلاً، يكاد يصل إلى ركبتيها، ومن تحته بنطال، نعم تذكرت كانت ترتدي ربطة ومن تحتها شعر لست ادري لونه، ربما اسود، أو اشقر - هز كتفيه علامة الجهل - مالفت نظري يا صديقي عيناها. كدت انهض عن مقعدي، اما نبضات قلبي فأنا اعرفها حين تشتد، قال وهو يقترب برأسه مني :

_عيناها يا صديقي، ماذا أقول، انا لم أرى بحياتي عينان يتغير لونهما هكذا!. اوه، هذه المرة وقفتُ، لكني أمسكتُ بحافة المكتب وانا افعل ذلك، حتماً هي ذات العيون الملونة. (يتبع للجزء الثاني)


بقلم /رعد الإمارة /العراق


تعليقات

المشاركات الشائعة