تمشية: بقلم جمال نيازي


 تمشية

قصة قصيرة

(القاهرة - ممرات وسط البلد - عصر يوم من أيام الخريف و حتى الساعات الأولى من الليل..)

 "أضنيتني بالهجر"

تنساب كلمات العتاب في منعطف الطريق.. يحملها صوت فريد معاتباً و مطيلاً في العتاب: "مآ أظلمك".. تلوح ذكرى أيام الصمت و آلام الملح على جرح لا يندمل.. تغلفها حسرة باهتة على ما مضى و أخرى على ما كان مؤمّلاً له أن يأتي بيد أنه ذاب تحت شمس الصيف ذات نهار.. يخفت الصوت حد التلاشي و لا يتلاشى الطريق من تحت قدميّ..

🖋🖋🖋

(ممر معتم و مقهى صغير و مذياع قديم)

"و يشب في قلبي حريق

و يضيع من قدمي الطريق"

تحتشد الذكريات فوق ميدان معركة لم أشأ خوضها.. فُرضت عليّ كرهاً و خضتها كرهاً.. أشخص ببصري كما كان يفعل البطل في خلفية الأغنية و بينما يترقرق دمع الكبرياء في عينيه يعلو صوت الندم "و تطل من رأسي الظنون تلومني.. و تشد أذني..

 فلطالما باركت كذبك كله و لعنت ظني".. أخرج من ممر العتمة إلى باحة النور الباقي من نهار يوشك على الرحيل..

🖋🖋🖋

"و المساء الذي تهادى إلينا

ثم أصغى و الحب في مقلتينا"

تعرف البسمة طريقاً إلى وجهي بعد تيه.. تتهادى ذكراها العذبة كتهادي المساء على منعطف الطريق حاملاً معه نسماته الحانية على عابر السبيل الذي طال به الترحال و ضاق به المقام حتى وجد واحة خضراء فاستراح إلى ركنها القصي من عناء سفره الطويل..

🖋🖋🖋

"أغداً تشرق أضواؤك في ليل عيوني

اه من فرحة أحلامي و من خوف ظنوني"

ينعطف الطريق مرة أخرى مع انعطاف الليل على سماء المدينة.. ذكرى ليلة اللقاء الأول.. شاردٌ يناجي السماء في الأسحار الساكنة.. طال عليه الليل فهل من نهار يبدد خوف الظنون و تستكين فيه الأحلام.. "و غداً ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولى".. أنعمة هو النسيان أم نقمة أم قدر؟

🖋🖋🖋

"ربما تجمعنا أقدارنا

ذات يوم بعدما عز اللقاء"

أغنية توشك على بلوغ النهاية.. كما يوشك اليوم أن ينقضي و يوشك الطريق أن يبلغ غايته المنشودة.. يضع الشاعر رأسه بين كفيه ذات ليلة.. تنهكه الأفكار المحتشدة على أبواب مدينته.. يتحايل ببلاغته على ذاكرة تأبى الاستسلام.. يغفو ناسياً ثم توقظه الذكرى في جوف ليل لا يرحم.. يذكر العهد و الوعد و يضمد جرحه النازف بأبيات ينقشها فوق وسادته حتى لا تطويها الذاكرة…

تعليقات

المشاركات الشائعة