اسرار الليل: بقلم محمد بن الحاج

 قصة قصيرة

أسرار الليل.

بقلم: محمد بن الحاج 

غير ملابسه الرسمية وغدا إلى الشرفة المطلة على باحة رحبة في قلب الحي العتيق.وأسرعت إليه زوجته بفنجان قهوة من دون سكر عساها تعدل مزاجه! 

        لقد تأخر الليلة عن موعده بعض الشيء.كان عليه أن يعرج على قاعة " ليالي الأندلس " ليهنئ صديقه بمناسبة زفافه ويعتذر له عن عدم تمكنه من الحضور لالتزاماته المهنية،فالحالة الأمنية هذه الفترة تشهد حالة من الاستنفار في ربوع مختلفة من الوطن.

        الساعة تشير الى الواحدة بعد منتصف الليل. أضواء القناديل الخافتةتبدد عتمة هذه الليلة الغائمة من ليالي أوائل الخريف.

        يشهد الحي في هذه الفترة حركة رتيبة .نسوة  في طريق العودة من حفلات الأعراس يعبرن الساحة المبلطة يخطرن بملابسهن الأنيقة وقد شع منهن الجيد   ولمعت العينان،يحدثن طقطقات بأحذيتهن ذات الكعب العالي ،هامسات ضاحكات في غنج  فيردد المكان صدى أصواتهن...

        غمرت انفه نسمات المساء الباردة التي امتزجت بعطر العابرات.شعر بالانتشاء وتراءت له صورة صديقه العريس،فافتر ثغره عن ابتسامة حالمة، وعادت به الذاكرة إلى ليلة مضى عليها أكثر من عقدين...أطلق من صدره زفرة عميقة لم يقدر على كبحها وقال في نجواه:" هنيئا لك يا صديقي."

قطعت عليه زوجته شروده،وقفت قبالته في رداء أرجواني فرآها في صورة مختلفة عما تراءت له منذ حين .فقد غير الزمان تضاريسها كما شاء...

خاطبته في دلال:"الحمام جاهز." ثم انصرفت، فظل يلاحقها بنظراته وهي تسير حافية القدمين...

        مد يده الى فنجان القهوة وسكب ما فيه في جوفه دفعة واحدة .هم بالوقوف ،وإذا بهاتفه يرن.

أمسك بالهاتف،ألقى على شاشته نظرة خاطفة لمعرفة هوية المتصل ثم استقبل المكالمة.

كان وهو يصغي إلى محدثه يحرك رأسه من حين لآخر معبرا عن تجاوبه معه. 

ارتسمت على وجهه المتعب ابتسامة ...لم ينطق بكلمة غير ...نعم....نعم....حاضر....

        نهض من مكانه.دخل الى غرفة نومه ثم غادرها وهو يدس شيئا في جيب سرواله.

خاطب زوجته وهو ينزل الدرج:"سأعود حالا."

        عبر الساحة وغاب في الأزقة الضيقة المتعرجة. ووقفت زوجته في الشرفة تنتظر عودته وقد ذهبت بها الوساوس إلى بعيد.

غزت انفها روائح العطر الانثوية التي امتزجت بأنسام المساء ،فعمقت من اضطرابها.ولكن سرعان ما تلاشت كل تلك الافكار السيئة. لقد عاد سريعا يضرب كفا بكف ويحدث نفسه ...

أسرعت زوجته تستقبله عند الدرج وتمطره بوابل من الأسئلة لم يجب عن أي منها...

        عاد إلى الشرفة،جلس على مقعده الهزاز ....عبق العطر مازال يفوح في الأرجاء.

ذكرته زوجته بأن الحمام جاهز فلم يعرها اهتماما وغرق يفكر في أجوبة للأسئلة التي تزاحمت في ذهنه.

ترى! ما الذي جعل صديقه يقدم على الزواج بعد كل هذه السنين!؟

لقد كان رافضا هذه الفكرة كل الرفض .وقد أسر له ذات مرة أنه يعاني قصورا في القلب يمنعه من الارتباط لما في ذلك من خطر على حياته.

وما كادت هذه الفكرة تخطر بباله حتى انتفض واقفا وراح يضغط على رأسه بكلتا يديه. أخذ هاتفه...ضغط على أزراره...قربه من أذنه...فرد عليه صوت انثوي رقيق:"لا يمكن الحصول على رقم مخاطبكم في الوقت الحاضر...."

أعاد الكرة مرات ومرات ولكن لا مجيب.

في تلك الأثناء،تناهى الى سمعه أزيز صوت محرك سيارة ،وشعت الساحة بأضواء ليست كالأضواء...ألقى نظرة الى الأسفل وإذا به ينهار...

كان المشهد بالنسبة إليه مروعا.

 فهل  صدق حدسه؟

هل تراه ارتكب جريمة دون ان يدر ي؟

غادر المنزل وفي صدره صرخة تمزق فؤاده

وتاه في الأزقة وهو يردد ...لعن الله الحبة الزرقاء....لعن...................

محمد بن الحاج

سبتمبر 2022


تعليقات

المشاركات الشائعة