قصيدة رحم الله السياب: بقلم أحمد ابو قراعة

 قصيدة رحم الله السّياب / للعراق فقط

أسماء يا أسماء كالإعصار في الأنواء

ضجّت مجاري الوهم بالأشكال و الأشياء

لا يحمل الماء حصونا و الشتا خصم الرّدا

من رقّعتْ أسماله خاف الشتاء أسماء


لكن يا أسماء لا يفرح بالرّيح

إلاّ رقيع الصّوف و لإرْداء

لا يفرح بالرّيح

والإعصار و الأمطار و الأنواء

إلاّ غليظ الرّاح

إلاّ كسير الرّوح يا أسماء

أسماء

"عيناك غابة نخيل".كانت.و كانت الأنواء

و كان من كويت نشيجه أصداء

و طيفه الآتي إليّ من بعيد

من "أناشيد المطر"

فصليني يا فتاة شفتيك

واجعليني آخر السّير إليك

وهبيني يا فتاة مسمعيك

دبّت الأسقام لانت ,شاختْ الأعضاء

فاجمعي يا فتاة خصرك الدّامي و نامي

ليس في مجرى عروقي أيّ شوق للحياة

تعبت منّي الدّروب رغّبت فيّ أفولي

فاستريحي.علّ عينا غير عيني

و فؤادا غير هذا الفتّ وهنا

وسبيلاغير موصود الرّحاب

و فضاء كالنّمير.من بعيد

مرعدا غير مجلوّ السّحاب

و شديدا_ليس عودي_

ليس مكسور الرّقاب

ترتدين

خلّق التيه ثيابي

"أتحول عينُ بيضاء صفارا

شمعة حرّى تنير"

فاستريحي علّ عينا غير عيني....

واستبدّي يا فتاتي واصفعي ويلا بويل

كلّ قانون الحياة

واصعديه.جبل الحقّ الكريه

لا تخافي واجعليهمثلما يأبى الرّعاة

قدرا أعتى أصمّ

لا يواتيه رغو أحفاد الزّناة

واحمليه. لاتخافي

وارفعيه في جهار عمق هاتيك المدن

واستعدّي لصراع الخلق أبناء العفن

لاتخافي.ليس فيهم

من يطيقق حمل نيران الزّمن

(يرقد الكلب قريرا

تحت أقدام صغاري

فكلابي نطفهامن طائي ضاءت

من بعيد كلّ قدحات حجاري

كان لي ماء و عندي

كلّ حاجات الغريب و الزّوار

ضاع لي مالي ليس لي مال أردّ بسناه

أيد مُدّتْ للسؤال

تضحك ضحْك السّرور

فعيالي و البعيد و الأنام

مثل "نوّاس" و "ظلمة"...

و مديمات النّظر

في الدّروب.يلتقطن كرْم طائي

لو يعود في الزّمن

مثل عشب بنبت فوق الصّخور

ليس فينا من له وجه بشر

ذا سبيل كلّ من اقرى الكرام من بشر)

هاتي ما احلى كلاما كان في الدّهر شعاع

يوم كنت ترقدين جنب هاتيك التّلال و البقاع

لا تردّين السّؤال

تشبقُ هذي الدّيار

و الهوى نوّار يغري

كلّ ضلع بالوصال

و الهوى يسري إليك كلّما حارت عيون

بالمقال

نَفْتقُ أكمام قول كان في الدّار

حراما.كان في الدّار محالا.

و الرّجال يهتفون كلّ أنثى لا تنام

يصرخون في السّهول

في البيوت. في الدّروب

يا عراق...يا عراق

شارع المأمون كظّ بالزّحام

بالرّؤوس دون قامات طوال

يا عراق

قد شوانا مُهْلُ مورُوثٌ...و حال

واستردّ كلّ حجاج أثيم

كلّ قطّاع الرّؤوس كلّ خنّاق النّفوس

يا عراق ...يا عراق

يسكن القيظ و لكن قد تغاذيه الرّجال

بمثار النقع و الخطو الثقيل

و أرى اشياء تفنى و تغوص في البحار

و سماك القرش لوح في البحار أو شراع.

بالهاربين "أيخون إنسان بلاده"

تقطع قدّامها كلّ السّبل

مثلما كان العناء في الصدور

و يفور...

و أرى فوارة من كلّ ترب لؤلؤا

تمسح كلّ أنين بالحنين

وابتسامات العذارى بعد أن كانت نياما

رجّع الحبّ إليها كلّ عذب

و أرى الشّبق حليّا في الرّقاب

و يفور في الرّجال

منذ آلاف السنين كان فيك من رجال

منذ آلاف السنين كان في النيل رجال

و نساءكنّ يطحنّ الشّعير

و سمعنا أغنيات في البيادر

و البغال منذ آلاف السّنين تركض عيّى تدور

في البيادر

و الرّياح تجمع درّ المطر

درّة إثر دُرَرْ

و مياه النّيل فاضت و تفيض كلّ عام

و السّواقي رقرقتْ غنَّاء تجري

تحت أقدام الكروم

و تدلّى كلّ عنقود شهيّ بالخمور

كلّ عام

نعصر الكروم و نجني كلّ أعناب الحقول

و ننام كلّ ليل و العروق لا تُبلّ بالخمور

و الجراد...يطحن فينا العروق

و اللّصوص يأكلون...

آه يا أسماء آه

آه ما أحلى كلاما كان في الدّهر ذياع

فاسمعيني....أنت بذرات لقاح

سافري أيّان شئت

سافري هذي الرّياح هي أصفى من لياح

أشربي الحرّ لنبض

أشربي الموت لنضو إثر نضو ليثور

كلّ جنّ و تثور كلّ أرواح الشّرور

و الشّياطين النّيام

و يفور كالّصهد و الهجير

و يذاب يا عراق فيك عطر

في التّلال و السّهول

ويفوح آه ما أحلى المباح

مثل ندّ من عروقي يسقى و يسيل

ذلك الوهج اللياح

فاستعدّي ..لا تخافي...

فأنا الوهم الصريح و الجراح

فاستعدّي....

(يرقد كلبي قريرا تحت أقدام صغاري

فكلابي نطفها من نسل طائي

قد أضاءت من بعيد كلّ قدحات حجاري)

حيرتي أسماء أنت يقظة من بعد خمر

و سراحٌ للعقول

أم ترى أوهام تأتي ثمّ تمضي

يا عراق ...أيّة أسماء أنت

تسْألين أيّ طفل ترقد هذي الإناث في البطون

أيّ مولود جديد يرث نبض الحياة

فيصير من رجال

تسألين أيّ رحم يورث خصب المراعي و الحقول

و أكاد أسمع فينا الجواب

"كالصوان.هذه الأرحام صارت كالحجر

فالمطر لا يرى هذي السّهول

و الشّموس رنّقت نحو الأفول

و نغوص في الظلام منذ آلاف السّنين

كالبقر ...نحن نمشي و نقاد لنموت

تسألين. أيّ وجه أدمي فيه ما ينبئ بأنّا

قد تآلفنا كبارا نوقد الفعل الخطير

و الفكر..

تسألين أيّ وجه كان فينا من بشر

فأقول...

أيّ شيء ردّ من ماء لماء كلّ وجه كالحجر

يخنق ذاك المحيط بالسّفار

قادما من كلّ دار...لا درر

و الفلك عامت ...لا تعود باللآلي و المحار

تسألين....و أقول

أين يا طنجة أين وجه ملاّحك أين

و رياح البحر كنّا عندما تضحك طنجة

للسّفن

و تعود باليواقيت الكثار

والرّصيف ينشر البحر متاعه

كنت من وجدة ألقى ريح هاتيك السّفن

و رأيت الحوت يلقى للجياع

دون كيل أو صواع

"ارأيت الحوت يهدي لليتامى و الجياع"

في المغرب الأقصى شراع

و قلاع و مجاذيف مُتُنْ

و رجال أقوياء و عيون مغربية

ليس فيها من وهنْ

مثل أكواب خمور

غير أنّ عذبها نور شفيف من عناء

في الحقول.منذ آلاف الدّهور

فيغور كلّ لطف للعيون من عناء

و أكاد لا أقول

أيّ شيء ردّ من وجدة لطنجة كلّ وجه كالحجر

وأكاد أسمع كلّ الصّغار يهتفون

وجدة كلّ البلاد.طنجة مرسى البشر

طنجة أحلى المدن

ليس فيها أيّ شطّار أكول للبحار

لا جراد مصّ أفواه المحار

طنجة ملقى رياح

جُمّعت هبًا خفيفا فوق أكمام الزّهر

تسحب سحبا عتيّا

ثمّ تلقى و الرّجال التّائهين

عمق هاتيك البحار.من سفار لسفار

و تعود...

مثل أخشاب ثقال بالهموم

و أكاد أقول إن أقول"

أسمع الموج لطاما و السّهول

ترضع درّ السّماء و الرّجال يحصدون

و العيون المغربية

مثل حبّات الشّعير في بهاء و اخضرار

تسألين

مثل "شقّ" أو "سطيح" ليس لي عظم يريح

هامتي طحن و طين و عجين

قامتي لا تستقيم .قامتي لا تستريح

فاسرحي .علّفي بعض الأنام

علّ عظما غيرمرضوض البنان

"أبتاه ماذا قد يخطّ بناني

والحبل و الجلاّد ينتظران"

علّ عظما كان رضما يرجل المشي القويم

مرجما أو كان أقوى غير رخص

ماؤه الماء الرّهام

غير أنّي يا أسيماء البلاد

يل نُعيت كلّ وادي

يا نُعيت كلّ درب

جفّ أو فيه اخضرار

أصفر وجه البلاد لا سحاب لا قطر

يا عراق....يا عراقا

أسجونا و زنازين غلاقا

بعد أنْ كنت ماء دجلا هل يعبّى

بمغاليق الدّنان بمخاتيم القناني

يا عراق ...أصفر وجه البلاد

لا سحاب منه داني...

يا عراق ....يا عراقا

ليت من لحدي مساقا

فأصير لؤلؤا يسقي العيون

و أصير غير مخصيّ اليدين

أهدم تلك السّجون

و الآن يا عراق

أقطار صرت في كلّ أفق...منك يا عراق

دويلة مرجومة تجفّف الأعراق

ما بشّر الأصباح فيك يا عراق

إلاّ بلصّ آت أو خائن أفّاق

أريب في النّفاق

لوّاح بالتفليج ملواذُ بالغريب

سرواله قد يخفي قرابة اليهود

لزاز أو لزاق

و صدره إن شئت نباتة النّهود

أصيح بالأوطان يا هبة الرّجال

عليّ أرى أوتارا قد تعزف بالدّار

فتنبت عظامي و هامتي تقوم

قبل أن يُهْوَى بروحي في السّحيق

قبل ان يُستل من حلقي لساني

أم تراني أعيد للأحزان

أيّ شيء ردّ من ماء لماء كلّ وجه كالحجر

نزّ يأسا من ثقوب و حجر...

*************

يَا بَلَدْ منْ غيرْ عُمدْ

يَرْحَمُ الله البَلَدْ

يا بلدْ فيه العُمد

صَخْرُ عَ الصّدْر إنْوَلَدْ

يا بلدْ....يرْزق الله الوَلَدْ

شعر أحمد بو قرّاعة

تعليقات

المشاركات الشائعة