حرية وموت: بقلم ايمن فوزي

 حرية وموت ...قصة قصيرة 


كعادته يقف كل يوم وقت إطعام العصافير التي يربيها في شرفة منزله، فيضع لها الماء و الحب وهو يفتح القفص ولكن اي منهما لم يشغله قط الخروج من القفص أو حتى المحاولة ولكن كان كل شغلها الشاغل هو إلتقاط الحب من الطبق المخصص لذلك في نهم شديد.

يتعمد ان يترك باب القفص مفتوحاً ليستحث فيها غريزة البحث عن الحرية وحلم التحليق في الفضاء من جديد ولكن مع كل هذه المحاولات تبقى هذه العصافير مشغولة بإلتقاط ما تستطيع من الحب في طبق صغير لامع من المعدن ولا تلتفت حتى إلى هذا الباب المفتوح لأفق بعيد تحلق فيه الطيور لتضرب بجناحيها الهواء فتمتطيه إلي أين شاءت.

ومازال ينظر إليها في دهشة من هذا الموقف المفارق لنزعة الحرية ولكن في نفس الوقت تراوده بعض الأسئلة "هل تعودت هذه العصافير على الحصول على غذائها دون سعي راضية بقدرها وأن يطعمها نظير ان تبقى حبيسة هذا القفص" "هل لا تثق بجناحيها بعد أن طال بها المقام دون المحاولة بتحريكها  ولو لمرة واحد إلا من بعض المرات التي تنفض ما علق بها من تراب أو ماء يصبه عليها في حرارة الصيف؟" "أو ربما تخاف ما قدر ما ينتظرها خارج هذا القفص؟"

يحاول هذه المرة ان يستحثها بيده على المغادرة خارج هذا القفص ولكنها تدير وجهها و تمسك بقدميها الصغيرتين بعارضة من الخشب إعتادت الوقوف عليه، فيستفزه هذا الموقف، لأخذها بيده ويطلقها في الهواء فتتعثر قليلاً ولكنها تستطيع بفطرتها ان تطير مرة أخرى ولكنها تنطلق في إتجاه عودتها إلى القفص مرة ثانية وكأنها مربوطة بقطعة من المطاط بداخل هذا القفص.

يلتقط العصفورين هذه المرة ويدفعهما في الهواء بعيداً فيعودان أدراجهما، فيجدانه قد أغلق باب القفص دونهما، فيحاولان تحسس القفص وكأنهما يكذبان عينيهما ولكن بعد محاولات يائسة في وجود مدخل القفص يترددان عدة مرات بين الطيران والعودة للقفص ولكن باءت كل مرات للعودة بالفشل.

يوقن العصفوران أنه لابد من محاولة عيش الحرية فيبتعدان قليلاً ليقفا على مقربة من الشرفة على غصن شجرة قريبة و هو مازال يتابعهما من وراء باب الشرفة.

يستغرقهما بعض الوقت ليوقنان أنه لا طريق للعودة وعليها الطيران وتعود الغدو للحصول على ما يملأ بطنيهما.

يلقيان نظرة أخيرة على القفص القريب وهما يهمان بالطيران بعيداً، فيفاجيء احدهما صقر في سرعة خاطفة ليغير العصفور الأخر طريقة عائداً إلى القفص وهو يضرب الهواء بقوة هرباً من مصير رفيقته.

ينطلق من خلف الباب في عجلة ليلقي آخر النظرات على عصفورة وهي بين مخالب هذا الصقر و قد تطاير بعض ريشها الصغير في الهواء في محاولة بائسة للنجاة من مخالبه، والعصفور الآخر يتشبث بقضبان القفص و يلقي هو الآخر نظرة وداعٍ أخيرة على رفيقته.

وبينما يتابع إنقضاضة الصقر على عصفوره الصغير وهو يطلق آخر أنفاسه ميمماً نظره نحو الشرفة يتذكر كيف لم يخطر على باله عندما كان يرى دائماً هذه العائلة من الصقور تطير في حركات خفيفة مشرعةً جناحيها في وضع الإنقضاض الدائم  "فللحرية مخاطرها أحياناً" ويفتح القفص ليدخل العصفور مرة ثانية ويرجع طبق البذور والماء مرة أخرى والعصقور يلتصق بقضبان القفص من ناحية جدار الشرفة فيتمنى لو لم يخرجهما فلا قيمة للحرية المحاطة بالموت. 


أيمن فوزي


تعليقات

المشاركات الشائعة