المستنقع: بقلم تيسيرالمغاصبة

 " المستنقع "

قصة مسلسلة

بقلم :

تيسيرالمغاصبه 

------------------------------------------

    -١-

،،البوابه،،


كان كمال كعادته يجلس شارد الذهن متأملا نقوش بلاط غرفة الحراسة، 

كانت تلك الليلة هي ليلته الأولى في تلك الوظيفة السيئة السمعة،

وبينما هو حائرا بين أن يستمر في تلك الوظيفة ،أو أن يقدم إستقالته ويخسر جميع حقوقه بعد كل ما إدخره لمستقبله كالزواج والبيت  ،فهو لم يعلم أن الأقدار ستأخذه من أرقى مهنة شغلها  لتلقي به آخر المطاف في ذلك المستنقع العفن،

كان الحذاء القماشي لذلك الفتى هو أول ماظهر أمامه فوق نقوش البلاط القديم ..ثم رفع كمال رأسه بالتدريج إلى سيقانه العارية ..ثم السروال الأسود القصير كذلك التيشيرت الذي كان في نفس لون السروال ليتستقر على وجهه 

الأبيض حيث ابتسامته الاستفزازية الساخرة ،

كانت تلك الابتسامة تخفي التقاسيم التي كانت ربما جميلة ،لكنها كانت لاتظهر سوى مافي داخله من قباحة 

وسوء قد يكون ورث ذلك كله عن الأب ؛كغيره من سكان تلك المدينة الحديثة البناء ،

ربما ،ونحن في مكان كهذا المكان وفي تلك المنطقة بالذات ،

يتوارث الأبناء قذارة الآباء والأجداد ،

بينما صمت كمال حائرا ماذا يقول ..ومن أين سيبدأ بالحديث ..وكيف سيخاطب فتى إقتحم عليه غرفته مخرجه من سكينته وهدوءه بابتسامة خبيثة تحمل ألف معنى ومعنى دون حتى إلقاء التحية ،

جذب مقعد ووضعه أمامه وجلس عليه عاكسا مسند الظهر ليصبح  مواجها له، ثم يريح ذراعيه عليه ، فأخذ يرمق كمال بابتسامته الساخرة.


*   *   *    *   *    *   *   *   *   *    *   *


بعد أن إنتهى عقد الشركة السياحية وبذلك إنتهى عمل كمال كمنقب عن الآثار من جهة ،ومرشدا سياحيا من جهة ثانية ، كان تعامله مع أكثر الناس رقيا وتحضرا ،

قد إنتهى عمل الشركة فتم توزيع موظفيها بشكل مؤقت ليشغلون وظائف أخرى وفي ميادين أخرى ،وبعضهم شغلوا فراغات في المدارس كحراس وأذنه في المدارس الحكومية ،

وكان كمال الشاب الملتزم ،الوسيم ،والخجول من الذين عملوا حراسا في المدارس بعد وعد بأن يعيدونه إلى عمله السابق فيما لو تجدد العطاء،

أو إلى مكان أفضل..إن أمكن ،

بعد نقاش مع رئيس شؤون الموظفين "اللئيم"جدا ..إستفز كمال   ليتحول النقاش إلى جدال..

وكاد أن يتحول إلى شجار ..

أرسله متعمدا إلى مدرسة سيئة السمعة قاصدا الإنتقام منه ،

حضر مبكرا في اليوم الأول  إلى عمله الجديد لكي يستلم مفاتيح الأبواب والعهدة ،

لم يشعر في الراحة لكل من رآه سوى أكانت وجوه الطلبة أو المعلمين أو الأذنه،

تحدث مع الأذنه قليلا وقام بتنظيف غرفته المخصصة للمبيت ،

كانت جميع نوافذها محطمة ،وبابها غير صالح ،إلتقى بالآذن الخمسيني  "أبو علي" وهو الآذن الذي كان ينتظر الموافقة على طلب تقاعده بعد خدمة ثلاثين عاما،فقال له بالحرف الواحد:


-الله يعينك ..حظك العاثر قد أرسلك إلى هنا ..هنا كل إنسان اللهم نفسي ..هنا "هز الذنب"والنفاق فإذا أبقيت نفسك بعيدا عن الجميع...قد تشعر بالراحة نوعا ما ؟


-الهذه الدرجة .


-وأكثر ..هنا أولاد شياطين ،وكونك مكلف بالحراسة ليلا فعليك أن تكون يقظا دائما وإلا قاموا بحرق المدرسة وأنت فيها؟


-ياإلهي .


-لاتتحدث مع الأولاد لأنهم بذلك سوف يعتادون عليك ،سيقومون بتوريطك وإدخالك في متاهات ..قلت لك ذلك لأني أرى أنك لازلت صغيرا ...لابد أنك تدرك ماأردت قوله؟


ثم تأمل صدره البارز وحيويته وشبابه ووسامته وكرر بخبث:


-لابد أنك قد فهمت ماأعني؟


-تمام.


-وهم يستطيعون الحصول على مايريدون بسهولة؟


-...............  .


-الأولاد هنا "أولاد حرام "وأهاليهم مثلهم تماما لاتأخذ منهم لاحق ولاباطل

والقانون في صفهم دائما؟


-شيء رهيب .


ثم رفع غطاء رأسه وظهر شعره الأبيض وتابع:


-أترى ذلك الشعر الأبيض،بالطبع  لم يأتي بسبب التقدم في العمر أبدا ،لقد بدأت عملي  هنا عندما كنت في عمرك؟


-يالطيف.


-قد تشعر بالاستغراب من كلامي معك ،ولماذا أنا أنصحك..طبعا لامصلحة تعود إلي من وراء ذلك ..لكني عانيت الكثير طوال خدمتي في تلك الوظيفة ،وبعد أيام قليلة سوف أحصل على التقاعد أخيرا ؟


-............... .


-والمشكلة أن معظم الطلبة في تلك المدرسة "واصلين"؟


-............... .


-وحتى لو قررت البقاء بعيدا  عن المشاكل ،فأن المشاكل سوف تأتيك إينما كنت طالما أنك بداخل المستنقع؟


-على أي حال أنا أشكرك كثيرا على نصحك لي.


نهض كمال واستعد للخروج، وفي تلك اللحظة قرع جرس الإدارة ..توجه الرجل الخمسيني إلى الإدارة ..وقبل خروج كمال من بوابة المدرسة سمع ذلك الرجل يتحدث إلى المدير وكان صوته من تلك الأصوات المرتفعة :


-أنا بالنسبة لي لم أشعر بالارتياح لذلك الحارس ..لكني أفهمته جيدا بأنه ينبغي عليه أن  يحترم عمله ..لأنه في مدرسة فيها يتم تلقي العلم ..أي أنه في  بيت من بيوت الله ،وربما هو لم يقنع بكلامي بالرغم من كل محاولاتي ؟


هز كمال رأسه ثم خرج متوجها إلى منزله  ليأخذ قسطا من الراحة ومن ثم يعود في المساء لاستلام  عمله كحارس ليلي .


(يتبع....)

تيسيرالمغاصبه 

١٤-٥-٢٠٢٢


تعليقات

المشاركات الشائعة