عزرائيل: بقلم تيسيرالمغاصبه

 " عزرائيل "

قصة مسلسلة 

بقلم :

تيسيرالمغاصبه 

------------------------------------------

     -١-

،،إخوة الطريق،،


بعد إنقضاء الأربعين وتجدد  العزاء الذي كان في قرية في جنوب البلاد،  القرية البعيدة جدا ،

ودع ثائر الجميع وغادر ،لكنه لم يرغب أبدا في العودة إلى بيته في عمان..وتمنى لو أن تبتلعه ألصحراء ليبقى هناك،فأنه لم ينسى حزنه بعد ،ولن ينساه ،

سار ثائر هائما على وجهه إلى جانب الطريق الصحراوي وهو لايعلم هل سيتمكن من تجاوز تلك الصدمة أم لا ،

وقف ينظر إلى العربات التي  كانت تمر مسرعة متجاوزة الناقلات الضخمة التي كانت تسير ببطء شديد ممل، كالسلاحف معرقلة مرورها، ولهذا كانت العربات الصغيرة تتجاوزها ومن ثم تنطلق من جديد بالرغم من أن قانون السير يحذر من التجاوز،

توقفت أمامه ناقلة ضخمة ،خيل إليه إنها الناقلة الأكثر ضخامة من بين ما رأى من ناقلات الشحن،

أطل عليه رجلا ضخما ،كبير الرأس، عريض المنكبين ،وقد تناسبت ضخامته مع ضخامة ناقلته،  كان ملتحيا ..وكانت لحيتة طويلة ومتدلية على صدره،ألقى عليه السلام ثم قال له:


-إلى أين  أنت متجه ياأخي؟


-في الحقيقة إلى أي مكان بإستثناء بلدي عمان.


-حسنا في تلك الحالة يمكنك مرافقتي إلى مدينة العقبة وما حولها ،هذا إن رغبت أن تكون رفيقي لأتمكن من قتل الوقت والصمت القاتل؟


رد ثائر دون تردد :


-أوافق.


فرح الرجل الملتحي وإنفرجت أساريره  والذي يبدو عليه الإلتزام دينيا ،وقال:


-حياك الله أخي ،إصعد؟


ومن هنا بدأت الرحلة الطويلةوالبطيئة جدا مع صوت محرك التاقلة وصمت ثائر وأحاديث الرجل الملتحي والتي لاتنتهي أبدا.


*   *   *   *   *   *   *   *   *   *   *   *


بعد أن إتخذ ثائر موضعه إلى جانب الرجل الملتحي في الناقلة الضخمة والمحملة بالأحمال الثقيلة  ،كان لايتحدث كثيرا ويفضل الصمت مكتفيا بالاستماع إلى أحاديث ذلك الرجل التي لاتنتهي أبدا ..أو هو في الحقيقة لا يترك له فرصة للتحدث أولتجاذب أطراف الحديث معه، فكانت أحاديثه جميعها عن ذكريات أيام الضلالة "على حد قوله"وعن ماإقترفته يديه  من ذنوب وكبائر وفضائع وإرهاب وإغتصاب وقتل إلخ ..

وكان في كل حين يبتسم ويقول :


-أنا لا أفتخر بذنوبي القديمة ،لكني فقط أذكرها لتكون موعظة لمن يريد الهداية ،والحمد لله أني عدت إلى الله بعد أن هداني؟


-............... .


-الجميل في ديننا أنه يقبل التوبة دائما ؟


-............ .


كان ثائر يستمع بصمت وأحيانا يقول "بكل تأكيد "أو سبحان الله"


وصاحبنا ثائر الذي عاش حياته بعيدا عن المعاصي ، لم يرتكب أي ذنب في حياته حتى تلك اللحظة، ويحاول الهروب من خاتمة ذكرياته ونهاية سعادته بطريقة تقشعر لها الأبدان  ،لكن تلك الذكريات كانت تأبى أن تتركه ليشعر بالراحة ولو للحظة واحدة ،

فكانت كالكوابيس التي تحرمه الراحة والسكينة ،وكان يسأل نفسه "لماذا الله يكرم من يرتكب جميع تلك المعاصي والذنوب ويكسر قلب الإنسان الصالح ،الذي عاش بعيدا عن كل مايغضبه،

أخرجه الرجل الملتحي من صمته وتساؤلاته قائلا:


-يبدو أنه قد أخذنا الحديث، ولم نتعرف بعد ،هههههههه أو بالاحرى حديثي أنا لأني كثير الحديث ،أنا أخوك بالله بلال ،وأنت ماأسمك؟


هو في الواقع لم يترك فرصة للتعارف بسبب كثرة حديثه عن أيام الضلالة بطريقة توحي بأنه مفتخرا بها،حتى ولو أنه محاولا إظهار غير ذلك، رد ثائر:


-تشرفنا أخي بلال، أنا أسمي ثائر؟


-ثائر ...ثائر..يخيل إلي أني قد سمعت بهذا الأسم سابقا،ثائر ضد الظلم والباطل إن شاء الله ؟


-آمين يارب.


-بعد قليل سأتوقف للوضوء ومن ثم أداء صلاة الظهر في البر ،هل تصلي معي لنكتسب صلاة الجماعة ؟


-في الحقيقة ..أنا لاأصلي .


-لاحول ولاقوة إلا بالله ،لاتصلي أبدا؟


-كنت أصلي لكني الأن لاأصلي.


-أي تارك للصلاة ..أن ذلك أكثر خطورة ياأخي ثائر؟


-............ .


-هداك الله،لكن متى تنوي التوبة من جديد أخي ثائر ..أقصد العودة ألى الصلاة.. أقصد هل لديك نية للتوبة ؟


-حتى ينتهي ماأنا به.


ومتى سينتهي ؟


-حتى يريد الله ذلك عموما أذا كان كوني لاأصلي يزعجك فأنا سأنزل من الناقلة وأذهب في حال سبيلي؟ 


-لا عفوا أنت فهمتني خطأ أخي ثائر ..ماهي سوى دعوة لدين الله ..والله يهدينا جميعا ؟


-آمين يارب .


-بينما نحن قد تعاهدنا على التآخي بالله؟


-أخوك بإذن الله.


-هل تمانع من أن تحكي لي حكايتك أخي ثائر؟


-أن مجرد  الحديث في  حكايتي  يؤلمني كثيرا أخي بلال أرجو أن تعفيني من مشقة قص حكايتي عليك.


-كما تشاء أخي ثائر،لكن أنا سأستمر بالحديث إن لم يكن ذلك  يصدع رأسك،فأنا كثير الكلام؟


-لن انزعج أبدا لأني  مستمع جيد أخي بلال.


نزل بلال للصلاة بينما بقي  ثائر في الناقلة وقلبه لازال  ينزف بلا توقف.


(يتبع...)

تيسيرالمغاصبه 

١٢-٤-٢٠٢٢


تعليقات

المشاركات الشائعة