كارمن او غرام في سوريا: بقلم رعد الامارة

 قصة (كارمن أو غرام في سوريا) 


أطلت برأسها من خلال نافذة غرفتها، التي تشرف على الحديقة، ضمت يديها إلى صدرها وتنفست بعمق، تمتمت وهي تلاحق الغيوم الحبلى في السماء :

_الحمد لله، اخيراً سيهطل المطر.

_كارمن، كارمن. أوه، ثمة من ينادي بأسمها، تعلقت نظراتها بشجرة الليمون، أبتسمت برفق وعادت تمتم :

_لاعليكِ ياليمونتي الحلوة،كوني جاهزة، فحبات المطر ستغسل أوراقك من الأتربة، عقدت مابين حاجبيها والصوت الذي تعرفه يلاحقها من الداخل :

_كارمن، كارميلا. ياإلهي، كيف فاتني هذا الأمر، أزهاري، استدارت للخلف وراحت تجري، كادت تصطدم بشقيقتها الكبرى في الرواق، لاحقها الصوت :

_كارمن، توقفي يامجنونة. أخذتْ تلهث وهي ترتقي درجات السلم قفزاً، ترددت عند باب الغرفة المغلقة وهي تلهث، أدارت أكرة الباب بحذر، أنها غرفة أبيها الراحل، أغمضت عينيها ثم دفعت الباب، رائحة البخور ملأت أنفها، أشاحت ببصرها حين طالعتها عيناه اللوزيتان اللتان تعرفهما جيداً، ترقرقت الدموع، شعرت بقشعريرة وهي تمد يداً مرتعشة صوب المظلة السوداء الكبيرة، قبل أن تغلق الباب همست لنفسها وللعينين في الصورة :

_سأعيدها لاحقاً يا أبي. أندفعت الى غرفتها بسرعة، جلبتْ مظلتها الصغيرة ذات الألوان الزاهية، هبطت درجات السلم قفزاً كالعادة ونظرات شقيقتها الكبرى تلاحقها. رفعت رأسها للسماء :

_الحمد لله لم تمطر بعد، مازال لدي بعض الوقت. أسندت مظلة ابيها الكبيرة الى جذع شجرة الرمان النحيل ، ثم الصقت مظلتها الملونة بقربها، ارتدّتْ للخلف وأخذت تنظر وقد قطبت حاجبيها،سرعان ما انفرجت أساريرها وانتابها احساس بالرضا، أن زهورها الفتية ستكون بأمان، شعرت بمن يقف خلفها، التفتت برأسها، كانت شقيقتها الكبرى وقد أحضرت مظلة ثالثة. قالت كارمن وهي تحدق إلى شقيقها، الذي كان يلهث هو الآخر وهو يحمل بين يديه قطعة( نايلون) كبيرة :

_لو لم تهرعا لمد يد المساعدة، لو لم تفعلا ذلك، لكنت حرمتكما من شم أزهاري، بل لمنعتكما حتى من الأقتراب منها. قالت كارمن ذلك، ثم سارت برأس مرفوعة، وقد ظلل ملامحها كبرياء عجيب، رغم ذلك فقد سمعت شقيقها وهو يطلق كلمة مجنونة، لكن الرياح حملتها بعيدا بهزة واحدة من كتفيها المستديرين. أبرقت السماء بعد وقت قصير، أما الرعد فأخذ هو الآخر يرسل أصواتا قوية منذرة، بعدها هطل المطر. أخذتْ كارمن ترقب أزهارها من خلف النافذة المشرعة، كانت خلال ذلك تدندن بلحن حلو لفيروز ( رجعت الشتوية ). اشتد هطول المطر في المساء، لكن كارمن لم تكن قلقة، فأزهارها بأمان،  أسعدها أيضا منظر شجرة الليمون فقد اغتسلت أخيراً واكتسبت أوراقها لمعاناً أخاذاً، نادتها شقيقتها الكبرى من خلف الباب :

_كارميلا، العشاء. قطبت حاجبيها وهي تعتدل في جلستها على السرير:

_ياه، كيف فاتني الأمر، أنا حقا جائعة. ألقت نظرة أخيرة من خلال النافذة، تنهدت واستدارت منطلقة صوب صالة الطعام، أبتسم شقيقها وجر مقعداً ودعاها للجلوس، فيما انشغلت شقيقتها بسكب حساء الدجاج الساخن في الأطباق، قالت كارمن :

_هل أساعدك؟ . تابعت رأس شقيقتها وهو يهتز بعلامة النفي، استدارت صوب شقيقها وهمستْ :

_ شكراً من أجل المساعدة. اكملت كارمن التهام وجبتها،ثم ساعدت شقيقتها في تنظيف المائدة، قالت الأخيرة وهي تجفف يديها :

_لقد توقف المطر، تستطيعين عزيزتي التخلص الآن من المظلات. هزت كارمن رأسها بلطف، قالت وهي تستدير خارجة :

_قد تمطر مرة أخرى، سأفعل ذلك صباحاً، حين تجهز القهوة ناديني حبيبتي. انطلقت كارمن تدندن كالعادة، أما شقيقتها فلم تقل إلا كلمة واحدة :

_مجنونة. فتحت كارمن نافذة غرفتها على مصراعيها، ملأت رئتيها من النسيم البارد، عاودت الترنم بأغنيتها المفضلة (رجعت الشتوية) مدت رأسها للأمام وأخذت تحدق في صف المظلات التي غطت زهورها، رفعت من ثم رأسها للأعلى، همست :

_قد تكون شقيقتي محقة، لقد انقشعتْ الغيوم.(يتبع للجزء الثاني) 


بقلم /رعد الإمارة /العراق /بغداد


تعليقات

المشاركات الشائعة