كارمن الجزء الرابع: بقلم رعد الإمارة

 قصة (كارمن أو غرام في سوريا) الجزء الرابع 


كانت كارميلا تغفو ببساطة ما أن تسرح في تأمل النجوم السابحة في السماء من خلال نافذة غرفتها، لكن بعد لقائها بجلال الكاتب، حلَّ الأرق محل النعاس الحلو، الذي لطالما داعبَ جفنيها، قالت كارمن وهي تجلس فجأة في سريرها :

_ وماذا بعد! ماالذي سيحلُّ بقلبي؟. كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة مساءً بقليل، فكرتْ بأن تلقي نظرة على زهورها التي امتدّتْ على نطاقٍ واسع في حديقة الدار، لكن ماذا لو رأتها شقيقتها الكبرى أو شقيقها، هل سيظنانها شبحاً متجولاً، خاصة وهي ترتدي ثوب نومها الأبيض المطرّز بالورود، آه، سيكون لطيفاً لو طاردتها شقيقتها بمكنسة وهي تصرخ :

_شبح، ثمة شبح في حديقتنا يشبه كارميلا. استلقتْ على ظهرها، في منتصف السرير تماماً وأخذتْ تكركر، همستْ لنفسها :

_تباً لكَ وللكافيه يا رجل المطر. بالكاد فتحتْ كارمن عينيها وهي تحدّق في الوجه المدوّر الباسم لشقيقتها، سمعتها تقول :

_هذه المرة الألف التي انادي فيها عليكِ، انهضي ياكسولة، ألم تطلبي مني أن أوقظك في وقت مبكر من الصباح؟ . كارمن التي كانت تتململ في رقدتها، ما أن سمعتْ عبارة شقيقتها الأخيرة حتى فتحتْ عينيها على وسعهما، ابتلعتْ ريقها الجاف أصلاً، ثم بصوتٍ مبحوح قالت :

_كم الساعة الآن؟.

_أنها التاسعة صباحاً حبيبتي. أوه يالي من حمقاء، هكذا همست كارميلا لنفسها وهي تتذكر أن لديها موعداً مع جلال الكاتب! قالت وهي تحدّق في أشعة الشمس خلف زجاج النافذة :

_لكني طلبت منكِ أن توقظيني.

_لقد فعلتْ، أكثر من مرة قمت بذلك ، كنت تقولين حاضر ثم تعودين للنوم مجدداً.

_كان عليكِ أن تصفعيني، هكذا. قبضت كارمن على يد أختها، رفعتها عاليا ثم اخذت تصفع خدها، جذبت الأخت الكبرى أصابعها ، استدارت خارجة وهي تهمس :

_ياربي، لقد زاد جنون البنت. أخذت كارمن تتأمل نفسها أمام المرآة قبل أن تخرج، هذه المرة ارتدتْ ثوباً بنفسجياً بنجوم متفرقة، أما شعرها فتركته حراً ومنسدلاً على كتفيها، استدارت مرة واحدة حول نفسها، لأنها أصطدمتْ بعد ذلك بشقيقتها القادمة من خلفها، كارمن كانت عيناها تبرقان، وقد اصطبغ وجهها بحمرة قانية، قالت :

_هل أبدو جميلة؟.

_ماهذا الكلام حبي، أنتِ دوماً جميلة الجميلات. هزّتْ كارميلا رأسها بخفة :

_أنا أعني الآن، هل أبدو مختلفة؟. 

_آه، فعلا عزيزتي، هذه المرة أنتِ أشبه بطالبات المدارس، مع هذا الأرتباك والتضرّج في وجنتيك، تبدين مثل عاشقة!. 

_أنا فعلاً عاشقة. قالت كارمن هذا ثم مسّتْ بفمها خد شقيقتها واستدارت خارجة وهي تترنم بلحن فيروز (حبيتك بالصيف ونطرتك بالشتي). وجدته منهمكاً في الكتابة حين دخلت، أخذت تتأمله عن بعد، كيف لم ينتبه لصوت الباب الزجاجي وهو يفتح! أم تراه مستاءً مني بسبب تأخري، على أطراف أصابع قدميها مشت كارميلا، هذه المرة صارت أقرب اليه، حتى أنه كان بوسعها رؤية بعض مايكتب، لاتعرف قطعة الشهد كيف شعر بها لأنه استدار بنصف جسده نحوها بشكل فاتن، ضيق مابين عينيه وشرعت الأبتسامة الحلوة تشق طريقها إلى فمه القوي، قال وهو ينهض :

_كنت أكتب عنكِ.

_آه، هل تعني أنك لست مستاءً لأني تأخرت؟.

_ لا طبعا كارمن، أعني قليلاً فقط، بهذا الحجم. ترك جلال الكراس مفتوحاً، كان بوسعها هذه المرة، قراءة كل حرف، لكنها لم تفعل، أخذت تلاحق نظرة عينيه، كان يحدق في ثوبها، أو في النجوم ربما، قال :

_هل أبدى أحدهم قبلي إعجابه بثوبك هذا!.

_لا أدري، ربما، كنت أمشي بسرعة.

_هذا جيد، لأني أود أن أكون الأول والأخير في ابداء إعجابي! تبدين مثل أميرة حقيقية، اللون البنفسجي يوحي بالنبل، أنه كما يقول التاريخ لون الملكات والاميرات.

_أوه، أنا لا أدري، هل حقاً ماتقول؟.

_طبعا أميرتي. تضرج وجه كارمن، شعرت بأن جلال الكاتب، القادم من خلف الحدود العراقية، قد أربكها فعلاً وهي الحالمة التي تميل للهدوء، هذه المرة فارقتها السكينة، هي تشعر بأن وجهها بات ساخناً، قالت :

_اطلب لي ماءً وقهوة، أشعر بجفاف. أشاح جلال برأسه، كانت كارمن ترتشف قهوتها بتلذذ واضح، وجد أنه من غير المناسب التحديق بها، همست :

_ هل جربت الجلوس في شرفة الكافيه؟ ثمة مناظر حلوة في الخارج، أعني الأشجار والزهور والهواء النقي. قاطع جلال كلامها بأن نهض فجأة، ازاح مقعده جانباً ثم حدق في عينيها الباسمتين، قبل أن يقول وهو يفرد كفه اليمنى :

_من بعد الأميرة. تركت كارمن جلال يقودها، كان قد سبقها بخطوة، توقف عند الموائد الفارغة برهة، حول عينيه صوب مائدتها المفضلة، أدهشها أنه جرَّ مقعداً ثم أخذ بمنديل أخرجه من جيبه يزيل الغبار عنه، دعاها للجلوس وظلَّ واقفاً، قالت :

_ألن تجلس! تعرف؟ هذه طاولتي المفضلة.

_لا أعرف حقيقة، قلبي من قادني إليها. قال جلال هذا ثم جلس بجانبها هذه المرة، ترك الكراس قريباً منها، لكنه تردّد في وضع القلم، قالت :

_ماذا تكتب!هل اقاطعك؟ . تفاجئت كارمن بأن جلال وضع يده فوق يدها المبسوطة، حتى أنه ضغط قليلاً وهو يفعل ذلك، تضرّج وجهها تماماً، لم تكن تود أن تلهث، اطبقت شفتيها ثم راحت تتنفس من أنفها، همس لها :

_أكتب عنكِ عزيزتي، مذ رأيتك وأنا أفعل هذا. لم تنبس كارمن إلا بكلمة واحدة :

_أوه. رفع جلال يده، شعرت كارمن بأنها لاتريد ذلك، لكن كيف لها أن تقول ، وجدته ينهض ويهمس :

_لحظة، سأعود حالا. كانت فرصة تلتقط كارمن خلالها أنفاسها، وقع نظرها على الكراس، أنه يكتب عني اذا، هكذا همست كارمن لنفسها وقد انتابها فضول لتعرف، عاد جلال ومن خلفه النادل، وضع الماء ثم فنجان القهوة بنفسه أمامها، قال وهو يجلس في مواجهتها هذه المرة :

_سأقرأ لكِ بعضاً مما كتبت ، هل أنتِ مستعدة؟. (للحديث بقية)


بقلم /رعد الإمارة /العراق /بغداد


تعليقات

المشاركات الشائعة